تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما من ناحية ما تقرّره هذه (اللام) في الآية " سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "، فهو توجّه المسبِّح بتسبيحه لله، بأن يجعله خالصاً لله، مبتغياً به وجه الله، طالباً منه وحده الأجر والثواب. فهي تلقي ظلال (الإخلاص) لله في العمل والذكر والتسبيح، وتدعو المسلم إلى أن يحقّق هذه المعاني وهو يسبّح الله، وما أجمل ما قاله الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي من أنها للإخلاص. (إعجاز القرآن البياني، ص189).

وعندما وقف الدكتور فضل عباس أمام الآيات التي تعدّى فيها التسبيح إلى ما بعده بـ (اللام)، وجد أن هذه الآيات تتحدّث عن نوع خاصّ من المسبّحين، وهم المسبّحون الذين يكون التسبيح لهم سجيّة وطبيعة. فالآيات التي اقترنت بـ (اللام) كان التسبيح فيها للمسبّح سجيّة وطبيعة، فهي منقادة بجبلّتها، مهيّأة بتكوينها لهذا التسبيح " وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ " (الإسراء: 44). فكأن تسبيح السموات السبع والأرض ومَن فيهنّ صار سجيّة لها، لا يفارقها البتّة (لطائف المنان وروائع البيان، ص135).

والذي يؤيّد ما نذهب إليه، قول الحق تبارك وتعالى: " يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ " (النور: 36 - 37). فقد عُدّي التسبيح هنا بـ (اللام) مع أنه ليس للسموات ولا للأرض. فتأمّل دقّة اختيار الحروف .. ذلك أن الرجال الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى في الآية قال في وصفهم: " لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ " (النور: 37). ومَن هؤلاء صفتهم فهم يستحقون أن يكون التسبيح لهم سجيّة، وفيهم طبيعة - نسأل الله أن يمنّ علينا فيجعلنا منهم إنه سميع الدعاء - وإذا كان هذا شأن رجال من البشر: (يسبّحون له)، فكيف لا يكون حال الملائكة: (يقدّسون له) في قولهم: " وَنُقَدِّسُ لَكَ ". فلو أنهم قالوا: نقدّسك، لما تبيّن المعنى الدالّ على حالهم عليهم السلام. فلا معنى للاختيارية في هذا المقام!

ثم تدبّر معي قوله تعالى: " فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ " (طه: 117). فَلِمَ لم يقل: إن هذا عدوك؟ كما جاء في خطابه للمؤمنين: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء " (الممتحنة: 1)؟ فوجود (اللام) في الآية الأولى أمر مقصود ولا بدّ منه، ولا معنى فيها للاختيارية، وقد جاءت هنا مستقرّة، لا يصلح المعنى بدونها ولا يستقيم. ذلك أن العداوة بين المؤمنين وأعدائهم ليست عداوة فطرية، فالناس جميعاً يولدون على الفطرة، كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولذلك فإن هذه العداوة يمكن أن تنقلب إلى مودّة بعد أن يهدي الله أولئك الأعداء، ومن هنا يقول الله عزّ وجلّ في السورة نفسها: " عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " (الممتحنة: 7). أما عداوة إبليس عليه اللعنة، فليست من هذا القبيل، وإنما هي عداوة فطرية، لا يمكن أن تزول، لذلك جاء التعبير عنها مغايراً للتعبير عن غيرها من العداوات، قال تعالى: " إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا " (فاطر: 6)، وقال سبحانه: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ " (البقرة: 168) .. وهكذا جاءت الآيات الكثيرة من كتاب الله تعالى بهذا الأسلوب ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير