تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولزيادة هذا المعنى تفصيلاً وفائدة، نحيل القاريء إلى ما جاء في سورة الممتحنة بعد قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ * إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ " (الممتحنة 1 - 2)، فأنت ترى أن أسلوب الآية جاء هكذا: " إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء "، ولم يقل: أعداءكم. وهذا التغاير في الأسلوب الذي لا نجده في غير هذا الكتاب العظيم، له دلالته البيانية ذات الأهداف العظيمة والأغراض المتعدّدة، وكلها مفيد. فلقد قُدّمت كلمة (لكم) على كلمة (أعداء) لأن الله تبارك وتعالى يريد أن يبيّن للمسلمين بأن هؤلاء الذين توادّونهم وتسرّون إليهم وتطلعونهم على شؤونكم ولا تخفون عنهم شيئاً .. هؤلاء إذا ظفروا بكم وتمكّنوا منكم وحذقوا الوسائل التي تبلغهم أهدافهم، فإنكم أنتم وحدكم ستلاقون من عداوتهم ما لا يلاقي غيركم، وستتحمّلون من الأذى، ليس الأذى القولي باللسان فحسب، ولكنه الأذى باليد، ضراراً وتخريباً وهدماً لكل ما بنيتم. فتأمل!

ومن ذلك قوله تعالى: " إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي " (طه 38 - 39). فانظروا – أرشدكم الله – كيف جاء نظم هذه الآية الكريمة " عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ". ولقد علم الله تبارك وتعالى أن عداوة فرعون للحق عداوة متأصّلة في نفسه، فلن يستجيب لموسى عليه السلام، وما أشبه عداوته بعداوة إبليس اللعين. هكذا جاءت هذه (اللام) مقترنة بعداوة هذين الشيطانين، إبليس وفرعون، ولم نجد النظم جاء على هذه الصورة حديثاً عن غير هذين، فما أبدع النظم وما أحكم التنزيل. وتشبه هذه الآية آية أخرى في كتاب الله تعالى، وهي قوله سبحانه: " وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ " (الاعراف 204) .. وشتان بين أن يُقال: فاستمعوه، وبين: " فَاسْتَمِعُواْ لَهُ ". فهذه اللام جعلت من القرآن الكريم الآمر والناهي، المبشّر والمنذر، كأنما يقول: ليُستمع له. فما أجمل هذه اللام، وهي التي تبيّن لنا أن القرآن حي، حريّ بنا أن نُقبل عليه، ونستمع إليه، ونكون معه.

فهذه الأمثلة تبيّن أن هذه (اللام) من أساليب هذا الكتاب الحكيم، فجاء الأسلوب القرآني شاهد صدق على أن لكل آية موضعها، ولكل موضوع أسلوبه الذي يناسبه، ولكل حرف دلالته التي تقرّر المعنى المراد. وعلى هذا فلو أن الملائكة قالوا: (ونحن نسبح بحمدك ونقدّسك)، لما كان قولهم هذا " صواباً عدلاً "، كما يزعم الأخ أبو عرفة، لأنه بهذه الصيغة لن يتحصّل المعنى المراد من تقديس الملائكة الدائم لله سبحانه وتعالى. كما أن قولهم: " وَنُقَدِّسُ لَكَ "، لم يكن تنويهاً بتسبيحهم وتقديسهم وما كان لهم أن ينوّهوا هم أنفسهم بتسبيحهم وتقديسهم، كما أنه لم يكن بحُجّة " الاختيارية "، وإنما كان ذلك تقريراً لطاعتهم وخضوعهم لمشيئة ربهم، وكان دفعاً لما قد يوحي سؤالهم هذا من معنى الحرج مما قضى الله تعالى من جعل الخليفة في الأرض.

يتبع ..

ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[10 - 07 - 2005, 01:44 ص]ـ

الدليل الرابع:

يقول الباحث: «الأسماء في القرآن بهذا الذكر الصريح لم ترد إلا في اثنتين، إما بما يراد به الله الأوحد " ولله الأسماء الحسنى "، وإما بما يراد به " الأنداد " وما يُعبد من دون الله عموماً.»

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير