تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

على أن الناس تكلّموا حينئذ وأقرّوا بالإيمان وأنه بهذا تقوم الحُجّة عليهم يوم القيامة (يُنظر: العقيدة الطحاوية، ص244).

فالله سبحانه وتعالى أخبر أن حكمة هذا الإشهاد إقامة للحُجّة عليهم، لئلا يقولوا يوم القيامة: " إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ "، أو يقولوا: " إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ "، فذكر حكمتين في هذا الإشهاد: لئلا يدّعوا الغفلة، أو يدّعوا التقليد. فالغافل لا شعور له، والمقلّد متّبع في تقليده لغيره، ولا تترتّب الحكمتان إلا على ما قامت به الحُجّة. وهذه الحُجّة إنما قامت بشيئين: الأول: الفطرة، حيث أشهد الله تعالى كل واحد على نفسه أنه ربّه وخالقه، واحتجّ عليه بهذا في غير موضع من كتابه، كقوله تعالى: " وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ " (لقمان 25). والثاني: الرسل، الذين جاءوا ليذكّروا الناس بهذه الحُجّة، بقولهم: " أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ " (إبراهيم 10).

الرابع:

الفطرة هي التوحيد الذي ابتدأ الله عليه الخلق. ولكن على الرغم من أن الفطرة عميقة الجذور في النفس الإنسانية، شديدة الالتصاق بها، فإن الغفلة عنها أمر ممكن الحدوث، ولقد ذكّرنا الله سبحانه وتعالى بميثاق الفطرة، حتى لا نغفل عن ذلك. ولم يكتف القرآن بتذكيرنا بميثاق الفطرة الذي يمكن أن نغفل عنه، وإنما ذكر لنا أيضاً أنواع الغفلة التي قد تصيب الإنسان، والتي يمكن أن يكون الإنسان مسؤولاً بسببها لأنها واقعة في مقدوره، وفي دائرة كسبه واختياره، وسنبيّن فيما يلي أنواع هذه الغفلة:

1 - الغفلة بعدم استعمال الحواس: فالحواس هي المنافذ التي يطلّ منها الإنسان على الكون بكامله، وعن طريقها يبدأ الإنسان تحصيل المعرفة. فالحواس التي لا تتأمّل ولا تشاهد، ولا تسمع ولا تعي، ولا تهتدي إلى التوحيد الذي ينشأ نتيجة لاستخدامها في ما خلقت له بتأكيد التوحيد الفطري وتقويته، لا شكّ أنها تسبّب لصاحبها غفلة كبرى عن حقيقة محسوسة ملموسة، تشاهد آثارها بالسمع والبصر، والعقل والقلب. ومن هنا يصف القرآن الكريم أمثال هؤلاء الناس بأنهم غافلون، قال تعالى: " وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ " (الأعراف 179).

2 - الغفلة عن آيات الله: فإن آيات الله مبثوثة في كل شيء، مسطورة في هذا الكون الفسيح، وعلى الإنسان أن يحسن قراءتها، وأن يعرف خفاياها وأسرارها، وأن ينتقل من المعلوم إلى المجهول، ومن الظاهر إلى الباطن، ومن الدنيا إلى الآخرة، ومن السبب القريب إلى السبب البعيد، وأن لا يطمئنّ إلى النظرة السطحية والتأمّلات الهامشهية. ومن هنا يصف القرآن أكثر الناس بأنهم لا يعلمون لغفلتهم عن الحقائق وتعلّقهم بالظواهر، قال تعالى: " وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ " (الروم 6 - 7). كذلك هناك من لا يستخلص العبر والنتائج من الحوادث التاريخية التي تقوم آثارها شاهدة على سلوك أصحابها كما حدث بالنسبة لفرعون: " فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ " (يونس 92). ويبيّن في آية أخرى عقوبة الغافلين عن آيات الله ومصيرهم، فيقول: " إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ " (يونس 7 - 8).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير