تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ * وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ " (الأنبياء: 51 - 65). ولعلّ أشدّ ما يؤازر ما نقول، تعبير القرآن نفسه بضمير العاقل، " فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ "، فهي عند الله تماثيل لا تعقل البتة، ومع ذلك وصفهم وصف العاقل بضمير العاقل. ثم " لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ " تماما كالتي في " أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء ". ثم تتابع آيات سورة الأنبياء " الخلفاء " لتختم على معاقدها الرئيسة من التوحيد ونفي الأنداد، حتى تصل أواخرها على " إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا " (الأنبياء: 98 - 99)، وهل أبلغ من " هَؤُلَاء آلِهَةً "؟»

وهنا نلاحظ من جديد أن الباحث يحمل الآيات ما لا تحتمله، ويُدخل في تأويلها من الرموز ما لم تُشِر إليه، ويصرفها عن حقائقها الثابتة إلى معانٍ خارجة عن إطارها وسياقها، ويبرّر ذلك بأعذار واهية لا تقوم له بها حُجّة. والتعليل الذي ذهب إليه، كالذي قرأ قوله تعالى: " مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا " (نوح: 13 - 14)، فراح يحاول جاهداً التوفيق بين هذا القول، وبين ما جاء في نظرية التطوّر .. وحُجّته في ذلك كله ظاهر ما تقوله الآية، بأن الله تعالى خلق الإنسان في أطوار .. وإذا كان ذلك كذلك، فالقرآن يؤكّد إذن ما يزعمه (التطوريون) .. ومثل هذا التعليل وذاك التأويل من الخطورة بمكان، وفيهما إهمال للسياق والمعنى كليهما، ونبيّن ذلك في النقاط التالية:

أولاً: يبدأ الباحث بالتساؤل عن السبب الذي دعا القرآن إلى إيثار صيغة العقلاء للأصنام والأنداد حيثما وردت فيه، ثم يقول: " فكان المؤوّلون كلهم يسألون هذا السؤال ويقفون عنده، وهذا أبلغ دليل أنه عرض مشكل، وإلا لما سأل أحد. ولكنهم تأولوّها على ما لا يقنع ولا يرضي " .. ويا ليته أطلعنا على تأويلهم هذا الذي لا يقنع ولا يرضي، وأبان لنا مواطن الإشكال فيه .. ثم زعمه بأن الأنداد والأصنام " أُنزلت منزلة العقلاء " حيثما وردت في القرآن فهذا قول مردود، وكيف يكون ذلك وقصة إبراهيم عليه السلام في سورة الأنبياء نفسها تبدأ بقول الخليل عليه السلام: " مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ "، حيث عبّر فيها عن الأصنام بـ (لها) التي هي لغير العاقل، وباسم الإشارة الموضوع للمشار إليه القريب حطّاً لقدرها وسخرية منها، كما أنه آثر هنا كلمة (التماثيل) على الأصنام تقريراً لحقيقتها، من أنها مجرّد صور وأشكال صنعوها وصوّروها هم على هيئة الطيور والسباع والإنسان .. وأنها لا تعدُ هذا الوصف السلبي العقيم. ثم ردّ عليه قومه، بقولهم: " وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ "، فعبّروا هم أيضاً عن أصنامهم بـ (لها) التي لغير العاقل، فلم يأتوا بحُجّة ولا برهان، إلا التقليد الأصمّ والمحاكاة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير