تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الضالّة العمياء من غير نظر ولا تفكير. وخُتمت القصة بقوله عليه السلام: " أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ "، فعبّر عن آلهتهم بـ (ما) التي لغير العاقل، وذلك بعد اعترافهم أن أصنامهم جامدة صمّاء: " لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ "، فهي لا تملك لهم ضرّاً ولا نفعاً، وما هي إلا تماثيل بلهاء خرساء، لا تنطق ولا تعي: " أَفَلَا تَعْقِلُونَ "، أي: أفلا تفهمون أن هذه تماثيل جامدة صمّاء لا تعي ولا تدرك؟ تحقيراً لها .. وأمثال ذلك كثيرة .. فكيف يزعم صاحبنا بأن الأنداد والأصنام تنزل منزلة العقلاء حيثما وردت في القرآن؟ هذا لا يكون أبداً ..

ثانياً: يدّعي الباحث أن الإشارة بـ (هؤلاء) في قوله تعالى: " لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ "، وقوله تعالى: " لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا "، هي نفسها التي تعود على الأسماء في قوله عزّ وجلّ: " أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء ". ولا ندري ما القاعدة التي نهجها في مثل هذا التأويل؟ فهل أن مجرّد مجيء كلمة (هؤلاء) في سورة الأنبياء، أو الخلفاء على حدّ تعبيره، ثم مجيئها في آية البقرة، يعني أنها تعود على نفس الشيء؟ هذا ما لا يقبله عاقل .. فلِمَ لا يعود اسم الإشارة – مثلاً - على الكافرين الذين يقول فيهم الأشهاد يوم القيامة: " هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ " (هود: 18)؟ أو على مَن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم شهيداً في قوله تعالى: " وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء " (النحل: 89)؟ أو على المشكور سعيهم في قوله تعالى: " كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ " (الإسراء: 20)؟ أو على المؤمنين الذين يقول فيهم الذين أجرموا: " إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ " (المطففين: 32)؟ وهكذا .. فإن كلمة " هؤلاء " وردت في الكتاب العزيز ست وأربعين مرة، والضمير فيها كان يعود مراراً على الطالحين، كما أنه عاد في كثير منها على الصالحين .. ولو أن صاحبنا أنصف لرجع البصر كرّتين، والفكر مرّتين، وسيدرك أن كلمة " هَؤُلَاء " وكذلك التعابير الأخرى للأصنام والأنداد بصيغة العقلاء، إنما جاءت كلها لغرض بياني مقصود.

فانظر إلى قول قوم إبراهيم عليه السلام، في قوله تعالى: " لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ "، فإنهم لمّا نفوا النطق عمّا يعبدون، لم تساعدهم أنفسهم على إطلاق نعت الألوهية عليها، وعبّروا عن الأصنام بـ (هؤلاء) من حيث هي عندهم بحال مَن يعقل. وذلك على عكس وصفهم لها فيما سبق من آيات، حين قالوا: " مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ "، أو حين قالوا: " أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ "، فإنهم آثروا هنا كلمة (آلهتنا) على كلمتي هؤلاء أو الأصنام، لقصد التشنيع على الذي حطّمها، وإظهاراً لشناعة فعله الواقع عليها، فكان ينبغي إجلالها وتقديسها، وفي إضافة الآلهة إلى ضمير أنفسهم للإعلام بحرصهم عليها والانتقام ممّن اعتدى عليها. واسمية الجملة وتوكيدها بـ (إن) واللام - في الأولى - فيها تقرير على اعتقاد قوم إبراهيم عليه السلام في تقديس أصنامهم وجعلهم آلهة تنفع وتضرّ، ولذلك كان الاعتداء على الآلهة ظلماً للنفس عندهم، ولم يقولوا: ظالم، بالإفراد وآثروا الجمع (الظالمين) مبالغة في وصفه بالظلم ورسوخه فيه. وتنكيرهم لإبراهيم عليه السلام - قبل الثانية – حين قالوا: " سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ "، فيه تحقير وتصغير من شأن إبراهيم عليه السلام، لخروجه عن المألوف من عقائدهم، ورفع من شأن أصنامهم التي يعبدونها من دون الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير