ثم أكمل قوله:" و في المسألة دليل آخر وهو قوله تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه) والمراد بوجهه ذاته فهذا يدل على أنه تعالى استثنى ذات نفسه من قوله (كل شيء) والمستثنى يجب أن يكون داخلا تحت المستثنى منه, فهذا يدل على أنه تعالى يسمى باسم الشيء. " .. انتهى كلام الفخر الرازي. (3)
وقال النسقي:" " قُلْ أَىُّ شَىْء أَكْبَرُ شَهَـ?دةً} {أَيُّ * شَىْء} مبتدأ و {أَكْبَرَ} خبره و {شَهَادَةً} تمييز و «أي» كلمة يراد بها بعض ما تضاف إليه، فإذا كانت استفهاماً كان جوابها مسمى باسم ما أضيفت إليه. وقوله {قُلِ ?للَّهُ} [يونس:12] جواب أي الله أكبر شهادة فـ {?للَّهِ} مبتدأ والخبر محذوف فيكون دليلاً على أنه يجوز إطلاق اسم الشيء على الله تعالى، وهذا لأن الشيء اسم للموجود ولا يطلق على المعدوم والله تعالى موجود فيكون شيئاً ولذا نقول الله تعالى شيء لا كالأشياء. " (4)
وقال الألوسي: " وهل يطلق على الله تعالى أم لا؟ فيه خلاف فمذهب الجمهور أنه يطلق عليه سبحانه فقال: شيء لا كالأشياء واستدلوا على ذلك بالسؤال والجواب الواقعين في هذه الآية وبقوله سبحانه: {كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} (القصص: 88) حيث إنه استثنى من كل شيء الوجه وهو بمعنى الذات عندهم وبأنه أعم الألفاظ فيشمل الواجب والممكن." (5)
وأورد أبو حيان الأندلسي رأي الزمخشري: " الشيء: أعم العام. لوقوعه على كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه, فيقع على القديم والجوهر والعرض, والمحال, والمستقيم, ولذلك صح أن يقال في الله عز وجل: " شيء لا كتا لأشياء, كأنك قلت: معلوم لا كسائر المعاومات, ولا يصح جسم كالأجسام وأراد (أي أكبر أكبر شهادة) فوضع شيئا مكان شهيد ليبالغ في التعميم " (6)
ثم أورد قول ابن عطية: " وتتضمن هذه الآية أن الله عز وجل يقال عليه شيء, كما يقال عليه موجود ولكن ليس كمثله شيء " (7)
ثم عقب على ذلك بقوله: " وقال غيرهما: هنا (شيء) يقع على القديم والمحدث, والجوهر والعرض, والمعدوم والموجود, ولما كان هذا مقتضاه, جاز إطلاقه على الله عز وجل. واتفق الجمهور على ذلك وخالف الجهم " (8)
وقد ذهب علماء الإمامية إلى نفس ذلك, حيث وافق رأيهم رأي الأغلبية الساحقة من علماء أهل السنة, وسأورد شاهدين على ذلك:
قال العالم الإمامي الكبير الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: " ومن هذه الآية نفهم – أيضا إن إطلاق شيء على الله جائز, إلا أنه شيء لا كالأشياء المخلوقة المحدودة, بل هو خالق ولا تحده حدود " (9)
وقال العالم الإمامي الكبير السيد محمد حسين الطباطبائي: " وقوله: كل شيء هالك إلا وجهه ", الشيء مساوِ للموجود, ويطلق على كل أمر موجود حتى عليه تعالى كما يدل عليه قوله:: قل أي أكبر شهادة قل الله " ... " (10)
(1) التفسير الكبير للفخر الرازي المجلد السادس.
(2) نفس المصدر السابق.
(3) نفس المصدر السابق.
(4) تفسير النسقي.
(5) الألوسي في روح المعاني.
(6) تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي, المجلد 4
(7) نفس المصدر السابق.
(8) نفس المصدر السابق.
(9) تفسير الأمثل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي – المجلد4
(10) الميزان في تفسير القرآن للسيد الطباطبائي, المجلد 16
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[09 - 09 - 2005, 01:16 ص]ـ
فائدة:
يقصد بالوجه لغة: المحيا, أو ما يواجه الإنسان من الشخص القابل, أما عندما يطلق الوجه على الله سبحانه وتعالى فيراد منه ذاته المقدسة.
وقد اعتنق علماء الإمامية وأغلبية علماء السنة هذا الرأي:
قال الألوسي: " {كُلّ شَىْء} أي موجود مطلقاً {هَالِكٌ} أي معدوم محض، والمراد كونه كالمعدوم وفي حكمه {إِلاَّ وَجْهَهُ} أي إلا ذاته عز وجل وذلك لأن وجود ما سواه سبحانه لكونه ليس ذاتياً بل هو مستند إلى الواجب تعالى في كل آن قابل للعدم وعرضة له فهو كلا وجود وهذا ما اختاره غير واحد من الأجلة، والكلام عليه من قبيل التشبيه البليغ، والوجه بمعنى الذات مجاز مرسل " (1)
وقال العالم الإمامي الشيخ ناصر الشيرازي:
" ... ولكن الوجه حين يطلق على الخالق فإنه يعني عندئذ ذاته المقدسة " (2)
وللمفسرين أراء أخرى حول المقصود من كلمة وجه, حيث فسروها بالعمل , والدين, والوجهة, ويمكن اعتبار ذلك أراء مرادفة لا مناقضة لمعنى المراد من الوجه, حيث يوجد ما يؤيد ذلك من القرآن الكريم نفسه:
- الجهة التي تنسب إليه أي الناحية التي يتوجه إليها بها, كما في قوله تعالى:
" يريدون وجهه " – الأنعام: 52
" إلا ابتغاء وجه ربك الأعلى " – الليل: 8
- الدين, ويراد من ذلك أن كل دين باطل إلا دين الله تعالى, مصداقا لقوله تعالى:
" ولا تدع مع الله إلها آخر " – القصص: 88
(1) روح المعاني للألوسي.
(2) تفسير الأمثل, المجلد 12
ـ[الضاد1]ــــــــ[09 - 09 - 2005, 10:30 م]ـ
شكراً لك أخي العزيز أبا طالب على هذه المعلومات والتي كنت أجهلها تماماً.
¥