ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[09 - 09 - 2005, 12:18 ص]ـ
" وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " 44 هود
التسهيم:
المقصود من التسهيم هو دلالة الكلام المتقدم على الكلام المتأخر, أو بالعكس, و نجد ذلك في هذه الآية حيث أن أول الآية يدل على آخرها.
التهذيب:
ويراد منه أن تكون الألفاظ حسنة, وكل لفظة سهلة مخارج الحروف, بعيدة عن الغرابة والتنافر.
إن كل كلمات هذه الآية ذات تهذيب, فهي ألفاظ جميلة و سهلة النطق, وذات معان واضحة, فالسامع لا يشكل عليه شيء في استيعاب المعنى المراد.
ائتلاف اللفظ والمعنى:
قيل أن ألفاظ هذه الآية الشريفة تسابق معانيها ومعانيها تسابق ألفاظها, حيث يوجد انسجام قوي, وائتلاف محكم بين الألفاظ ودلالتها بحيث أنه لا يصلح في موضعها غيرها, وهذا يدل على حسن اختيار الألفاظ المعبرة عن المعنى المطلوب.
قال " يا أرض " ولم يقل " يا أيتها الأرض " قصداً إلى الاختصار واحترازا عن تكلف التنبيه المشعر بالغفلة غير المناسبة للمقام.
اختير لفظ الأرض والسماء - ولم يتم اختيار الألفاظ الأخرى الدالة عليهما كالمقلة والغبراء وكالمظلة والخضراء - لكونهما أخف وأكثر استعمالا.
تأملوا اختيار الكلمة (ابلعي) بدلا من (ابتلعي) رعاية للاختصار, وتحقيقا للتناسق اللفظي بينها وبين الكلمة (اقلعي).
لم يورد القرآن الكلمة (غيض) المشددة بدلا من (غيض) رعاية للاختصار.
رد العجز على الصدر:
يعتبر رد العجز على الصدر من الفنون البلاغية التي احتوتها هذه الآية الشريفة, وهو أحد ضروب علم البديع.
يراد برد العجز على الصدر" أن تتكرر كلمتان متماثلتان: إحداهما في صدر الكلام, والأخرى في عجزه " , وهذان اللفظان قد يكونان متماثلين لفظا ومعنى, أو بينهما جناس, ثماثل في اللفظ دون المعنى, وقد يجمع بينهما الاشتقاق.
تكرر مجيء الكلمة (قيل) في بداية الآية وآخرها.
بداية الآية: " وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي "
عجز الآية: " وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ "
من الشواهد القرآنية الأخرى حول هذا الفن:
" وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه " – الأحزاب: 37
جاءت الكلمة (تخشي) في أول المقطع القرآني وآخره.
" استغفروا ربكم إنه كان غفارا" – نوح: 10
جاءت الكلمة (استغفروا) في أول المقطع القرآني, و (غفارا) في آخره, وقد جمع الاشتقاق بين هذين اللفظين.
ولا زلنا نسبح في جمال بلاغة الآية القرآنية:
" وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " 44 هود
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[11 - 09 - 2005, 12:12 ص]ـ
" وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " 44 هود
جاء التعبير بالكلمة (قِيلَ) على سبيل المجاز عن الإرادة من باب ذكر المسبب وإرادة السبب لأن الإرادة تكون سبباً لوقوع القول في الجملة.
في المقطع " يا أرض ابلعي " استعارة مكنية, حيث جاءت الكلمة (ابلعي) للإشارة إلى غور الماء في الأرض.
في المقطع " يا سماء اقلعي " استعارة مكنية, حيث دلت اقلعي على احتباس الماء.
هذا ما استطعت أن استقصيه من جوانب بلاغية في هذه الآية الشريفة, ولا أقول أن هذا الاستقصاء قد أحاط بكل جوانب الإعجاز البلاغي فيها, وإلى الملتقى في رحاب جمال آية أخرى.
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[12 - 09 - 2005, 12:04 ص]ـ
قبل أن انتقل إلى آية أخرى, أود أن أشير إلى بعض معاني الكلمات التي تضمنتها هذه الآية الشريفة:
" وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " 44 هود
الإقلاع عن الأمر الكف عنه.
أقلع فلان عما كان عليه: أي كف عنه.
أقلع الشيء: انجلى.
أقلعت السماء أي ذهب مطرها حتى لا يبقى منه شيء.
أقلع عن الأمر أي تركه.
غيض:
غاض الماء: نقص أو غار فذهب.
وفي الصحاح: قل فنضب
الغيض: النقصان, ومنه الآية القرآنية " وما تغيض الأرحام " أي تنقص.
يمكن مراجعة هذه المعاني في معاجم اللغة كاللسان وغيره.
الجودي:
ذكرت كتب التفسير موقع جبل الجودي في أماكن ثلاثة:
- الموصل.
- قرب الموصل.
- بآمل بالشام.
كما ذكرت بعصها أنه الجودي تعني أي جبل.
" الجودي جبل بقرب الموصل " (1)
" ... الجودي , جبل بالوصل وقيل بالشام وقيبل بآمل " (2)
قال الزجاج: هو بناحية آمد. وقال غيره بقرب الموصل. (3)
الجودي ... جبل بالجزيرة بقرب الموصل. (4)
" واستوت السفينة على جبل بالجزيرة يقال له الجودي " (5)
" واستقرت السفينة على الجودي وهو جبل بالموصل " (6)
" على الجودي وهو جبل بالجزيرة بقؤب الموصل " (7)
" واستوت السفينة على الجودي وهو جبل بالموصل عظيم " (8)
" على الجودي .... وهو جبل بالموصل أو باالشام أو بآمل ... والمشهور الأول " (9)
وقال ابن كثير: قال الضحاك الجودي جبل بالموصل. وقال بعضهم هو الطور. (10)
إن المتتبع لكتب التفسير يجد بعضها تشير إلى الجودي أنه بالموصل , وبعضها تضع احتمالات أخرى ولكن يبقى الموصل من ضمن تلك الاختيارات, والذي يستنتجه المتتبع لأقوال العلماء أن احتمالية الجودي هو الجبل الذي رست عليه السفينة احتمال قوي.
---
(1) تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.
(2) أنوار التنزيل للبيضاوي.
(3) مجمع البيان للطبرسي.
(4) تفسير الجلالين للسيوطي.
(5) التفسير للكبير للرازي.
(6) الكشاف للزمحشري.
(7) معالم التنزيل للبغوي.
(8) تفسير القمي.
(9) روح المعاني للألوسي.
(10) تفسير ابن كثير.
¥