تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبو فهر]ــــــــ[12 - 09 - 2005, 07:59 م]ـ

ملحوظة عابرة: استحسن فريق من أهل العلم التعبير عن الفعل المبني للمجهول والذي يعلم فاعله من السياق=استحسنوا أن يعبر عنه بالمبني لما لم يسمى فاعله، وخاصة إذا كان الفاعل هو رب العزة تبارك وتعالى. [ b]

ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[13 - 09 - 2005, 12:21 ص]ـ

الأخ العزيز أبو فهر:

أسعدني حضوركم.

ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[13 - 09 - 2005, 12:29 ص]ـ

" فلما استيئسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين " – الإسراء: 80

سأقف معكم وقفة تأمل في هذا المقطع القرآني:

" فلما استيئسوا منه خلصوا نجيا "

تعد " خلصوا نجيا " من العبارات القرآنية الموغلة في الفصاحة, و سأتخذ منها رحلة الانطلاقة القادمة لا ستكشاف معالم جمالها البلاغية.

ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[15 - 09 - 2005, 02:52 ص]ـ

فلما استيئسوا منه خلصوا نجيا " – يوسف: 80

في هذه الآية إعجاز بلاغي, وفيها فصاحة واضحة, حيث الاختيار الدقيق للألفاظ والتلاؤم القوي بين اللفظ والمعنى.

الفائدة البلاغية الأولى:

لنبدأ بالكلمة (استيئسوا)

لماذا تم اختيار هذه الكلمة, ولم يتم اختيار الكلمة (يئسوا) رعاية للاختصار.

لا حظوا زيادة السين والتاء في (استيئسوا) والتي تدل على المبالغة, هل في هذه الزيادة فائدة بلاغية؟

الجواب: نعم.

نحن نؤمن أن ألفاظ القرآن اختيرت بكل دقة, وأنه لا يصلح أن يحل لفظ محل لفظ آخر, وأن القرآن مليء بأساليب الإيجاز في العبارات, والاختصار في حروف الألفاظ مع المحافظة على إيصال المعنى المراد بأقل كم من الألفاظ.

لو كانت الكلمة يئسوا تصلح لأن تحل محل الكلمة (استيئسوا) لجاء بها القرآن لأنها أخصر.

قال الرازي في تفسيره لهذه لآية: " وهو مبالغة في يأسهم من رده " (1)

وذهب الزمخشري إلى " أن السين والتاء للمبالغة " (2)

استيئسوا تفيد أن درجة اليأس لديهم عالية جدا, بعد أن باءت كل محاولاتهم مع عزيز مصر بالفشل في إنقاذ أخيهم, ولذلك عبر عنها بالكلمة (استيئسوا) لا الكلمة (يئسوا).

وقد ورد مجيء الفعل (استفعل) في أكثر من مورد في سورة يوسف:

تكررت كلمة (استيأس) مرة أخرى في سورة يوسف في قوله تعالى:

" حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا " – يوسف 110

قال الطبرسي: " استيأس: بمعنى يئس كأنه طلب اليأس لعلمه بامتناع الأمر. (3)

تأملوا هذا المقطع القرآني من سورة يوسف , أيضا:

" ولقد راودته عن نفسه فاستعصم " - يوسف: 36

استعصم: فعل مبالغة يفيد الامتناع البليغ, والتحفظ الشديد.

استعصم: امتنع وأبى. (4)

وكذلك الآية:

" وقال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي " يوسف: 54

" الاستخلاص: طلب خلوص الشيء من شائب الاشتراك, كأن يريد أن يكون خالصا له" (5)

(1) التفسير الكبير للرازي, المجلد 9

(2) تفسير الكشاف للزمخشري, المجلد 3

(3) مجمع البيان للطبرسي المجلد 3

(4) معجم تهذيب اللغة للزهري.

(5)) مجمع البيان للطبرسي المجلد 3

ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[16 - 09 - 2005, 01:52 م]ـ

" فلما استيئسوا منه خلصوا نجيا " – يوسف: 80

تأملوا الإيجاز المحكم في هذا المقطع, حيث لم يقل القرآن: " فلما استيئس أخوة يوسف من العزيز "

تأملوا هذه الجملة:

" خلصوا نجيا "

في هاتين الكلمتين إعجاز بلاغي من الدرجة العالية, حيث أن تفسير هذه العبارة يحتاج إلى عدة جمل.

خلصوا: من الخلوص, أي انفردوا عن غيرهم واعتزلوا الناس, واجتمعوا في جلسة خاصة.

نجيا: نجيا حال من فاعل خلصوا, أي متناجين متشاورين فيما يقولونه لأبيهم في شأن أخيهم.

النجي: الذي تساره, والجمع أنجية. (1)

للكلمة نجي ارتباط بالكلمة (نجوة) التي تعني الربوة الأرض المرتفعة, وحيث أن الربوات منعزلة عن أراضيها المجاورة, سميت الجلسات الخاصة, البعيدة عن الآخرين , نجوى.

فالكلمة نجوى تدل على ما يدور في جلسة خاصة بين اثنين أو أكثر, من حديث خاص وسري لايعلم به غيرهم.

كما في قوله تعالى: " وإذ هم نجوى " - الإسراء: 47

أي يتناجون, حيث نزل المصدر- نجوى - منزلة الأوصاف.

" ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ... " - المجادلة: 7

لماذا جيء بـ (نجيا) في حالة الإفراد لا لجمع؟

قال أبو اسحاق: نجي لفظ واحد في معنى جميع. (2)

ويجوز: قوم نجي وقوم أنجية وقوم نجوى. (3)

نجي فعيل على وزن مفاعل كعشير وخليط وجليس, بمعنى معاشر ومخالط ومجالس.

يجوز أن نقول: هؤلاء خليطك.

أو: هؤلاء مخالطوك.

وتأتي (نجي) بمعنى المصدر الذي هو التناجي أو النجوى.

لاحظوا أن القرآن لم يقل " انفردوا " لأن الكلمة (خلصوا) تحمل معنى أعمق من الكلمة (انفردوا) , كذلك لم يأت بالتعبير " خلصوا يتشاورون " أو ما شابه ذلك من كلمات.

إن في المقطع " خلصوا نجيا " صورة فنية رائعة, تصف هاتين الكلمتين حالة أخوة يوسف في ذلك الموقف الصعب الذي جعلهم ينفردون عن الآخرين ب وكلهم جد واهتمام, يعيشون حقيقة التناجي بأروع تجلياتها.

(1) لسان العرب المجلد 14

(2) المصدر السابق.

(3) نفس المصدر السابق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير