ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[19 - 09 - 2005, 07:06 ص]ـ
رحلتنا القادمة ستكون في بحر بلاغة الآية القرآنية الشريقة:
" قل لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " - الأنبياء: 22
قبل الولوج في الجانب الإعجازي البلاغي لللآية, سأمر ببعض الجوانب اللغوية والنحوية المرتبطة بالآية, لأهمية ذلك في إدراك جوانب قوة بلاغتها.
فيهما: أي في السماء والأرض, ويراد به العالم كله: السفلي والعلوي.
إلا هنا بمعنى غير, بمعنى: لو كان فيهما آله غير الله لفسدتا.
الأصل أن تأتي (لا) للاستثناء, و (غير) وصفا, ولكن قد ينعكس الأمر فيستثنى بغير, ويوصف بإلا, كما في هذه الآية الشريفة.
لا يصح أن تكون (لا) للاستثناء, لأن السياق سيكون: لو كان فيهما آلهة ليس فيهم الله لفسدتا, ويقود ذلك إلى القول بأنه لو كان فيهما آلهة فيهم الله لم تفسدا, وهذا المعنى باطل, وليس هو المراد من مفهوم الآية.
كذلك لا يجوز رفع (الله) على البدل, لأنه حيث لا يصح الاستثناء, لا تصح البدلية من جهة, ومن جهة أخرى, فإن (لو) بمنزلة إن في المستقبل, و الكلام موجب , والبدل لا يجوز إلا في الكلام غير الموجب كقوله تعالى: " ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك " هود: 81
لو حرف امتناع لامتناع, حرف شرط لما مضى, فتفيد امتناع شيء لامتناع غيره.
مثال ذلك: لو كان أحمد في المدينة لزارنا, يفهم منه أنه ليس في المدينة.
لا زلنا نسبح في بحر جمال الآية الشريفة:
" قل لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " - الأنبياء: 22
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[22 - 09 - 2005, 04:26 ص]ـ
" قل لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " - الأنبياء: 22
تشير هذه الآية إلى دليل التمانع والذي يعتبر من الأدلة الفلسفية على نفي تعدد الآلهة, فالانسجام المحكم الذي نلمسه في جميع أجزاء الكون يوحي أن مدبر أمور الكون واحد, لأن تعدد الإرادات سيؤدي إلى تضاربها واختلاف تدبيرها وبالتالي فإن إحداها ستمحو أثر الأخرى, و حتى عندما يكون هناك تعاون بين هذه الإرادت, فسيوجد اختلاف في التدبير لأن التعدد يفضي إلى الاختلاف, , وتبعا لذلك فلن يُرى انسجام بين القوانين والأنظمة الكونية , وهذا ما عبر عنه القرآن بالفساد.
قال الزمخشري في تفسيره لهذه الآية: " والمعنى: لو كان يتولاهما ويدبر أمرهما آلهة شتى غير الواحد الذي هو فاطرهما, لفسدتا, وفيه دلالة على أمرين:
أحدهما: وجوب ألا يكون مدبرهما إلا واحدا.
والثاني: ألا يكون ذلك الواحد إلا إياه وحده لقوله: " إلا الله " " (1)
و قال صاحب الميزان: وتقرير حجية الآية أنه لو فرض للعالم آلهة فوق الواحد لكانوا مختلفين ذاتا متباينين حقيقة وتباين حقائقهم يقضي تباين تدبيرهم فيتفاسد التدبيرات وتفسد السماء والأرض لكن النظام الجاري نظام واحد متلائم الأجزاء في غاياتها فليس للعالم آلهة فوق الواحد وهو المطلوب " (2)
وبمكن فهم برهان التمانع من خلال هذه المحاورة التي رواها هشام بن الحكم عن الإمام الصادق في جواب الرجل الملحد الذي كان يتحدث عن تعدد الآلهة, حيث قال الإمام الصادق:
" لا يخلو قولك أنهما اثنان من أن يكونا قويين أو يكونا ضعيفين, أو يكون أحدهما قويا والآخر ضعيفا, فإن كانا قويين فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه وينفرد بالتدبير, وإن زعمت أن أحدهما قوي والآخر ضعيف ثبت أنه واحد كما نقول, للعجز الظاهر في الثاني, وإن قلت: إنهما اثنان, لا يخلو من أن يكونا متفقين من كل جهة أو متفرقين من كل جهة, فلما رأينا الخلق منتظما, والفلك جاريا, واختلاف الليل والنهار, والشمس والقمر, دل صحة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر أن المدبر واحد ... " (3)
لقد سأل هشام بن الحكم الإمام الصادق: ما الدليل على أن الله واحد؟ فأجابه: " اتصال التدبير, وتمام الصنع, كما قال الله عز وجل: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " (4)
لقد أشارت هذه الآية الكريمة إلى هذه المعاني العميقة بكل إيجاز, وقد اتخذ الفلاسفة هذه الآية أصلا أثبتت عليه دلالة التمانع في علم الكلام, فتأمل روعة التعبير القرآني.
(1) تفسير الكشاف للزمخشري المجلد 4
(2) الميزان للطباطبائي , المجلد 14
(3) التوحيد للشيخ الصدوق.
(4) المصدر السابق.
ـ[الضاد1]ــــــــ[22 - 09 - 2005, 06:03 م]ـ
بوركت أخي الدكتور أبا طالب على هذه الجواهر التي تهديها إلينا وزادك الله علماً وحسناتٍ.
فضلاً أقول أن حال المسملين اليوم هو أن ليس فيهم حاكم واحد يحكمهم وبلادهم فاسدة بغياب هذا الحاكم يحكم
بالإسلام. وهي عبرة (في نظري والله أعلم) لنا في أمرنا هذا. ففي بلاد الإسلام حكام إلا الخليفة، فهي فاسدة.
ولكم تحياتي.
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[23 - 09 - 2005, 11:03 ص]ـ
الأخ الكريم أبو طالب ..
نقلت لنا ما ذكره الطبرسي في معنى كلمة (استيأس) في قوله تعالى: " حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا " (يوسف 110)، وهو قوله: " استيأس: بمعنى يئس كأنه طلب اليأس لعلمه بامتناع الأمر ".
ولكن التعبير عن الرسل - عليهم السلام - بهذا المعنى لا يصحّ ..
لأن كلمة (استيأس) مع الرسل معناها: أوشكوا على اليأس أو استشعروا اليأس، وهذا المعنى جاءها من الزيادة التي دخلت على الأصل (يئس)، وهي: الألف والسين والتاء. والرسل أوشكوا على اليأس، ولم ييأسوا، لأن الرسل لا يصيبهم اليأس بل يدأبون على دعوة قومهم والأمل في استجابتهم ما رُزقوا الحياة. ولهذا لا يصحّ أن يُقال: حتى إذا يئس الرسل.
فمعنى استيأسوا هنا: أوشكوا على اليأس أو استشعروه.
بخلاف معناها في الآية الثمانين من السورة نفسها: استحكام اليأس في نفوس إخوة يوسف عليه السلام.
ودمتم لنا سالمين
¥