ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[04 - 10 - 2005, 03:48 ص]ـ
" يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب " - الحج:73
من الصور البلاغية التي تضمنتها هذه الآية الشريفة ما يلي, والتي تعتبر من فنون علم البديع:
- الطباق بين (يسلبهم) و (يستنقذوه) فالاستنقاذ هو تخليص ما سلب, والجمع بين معنيين متضادين في الجملة يوجد جمالا في التعبير.
- الجناس بين الكلمتين (الطالب) و (المطلوب) , حيث يوجد بينهما تجانس لفظي مع اختلافها في المعنى, وللجناس أسلوب بلاغي مؤثر كما نلمسه في هذا التعبير القرآني " ضعف الطالب والمطلوب".
وللآية الشريفة إضاءات بلاغية في علم المعاني, من بينها: الإيضاح بعد الإبهام
تأملوا هذا المقطع القرآني:
" يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له "
و هذا المقطع الثاني:
" إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب "
نجد أن الآية الشريفة تكشف أمامنا صورة بلاغية جميلة, وهو ما يعرف بـ (الإيضاح بعد الإبهام).
توجد في الإيضاح بعد الإبهام صورتان:
الصورة الأولى: مجيء التعبير مبهما مجملا.
الصورة الثانية: مجيء التعبير مفصلا.
يوجد إبهام في قوله " " يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له "
حيث ألقى المعنى على سبيل الإجمال لما فيه من تعظيم, كي يخلق لدى المتلقي تشويقا إلى معرفته على سبيل التفصيل.
ثم جاء بيان المراد في قوله تعالى:
" " إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له .... "
ويعتبر الإيضاح بعد الإبهام أحد فنون البلاغة في علم المعاني, وأحد أسباب الإطناب, وفي القرآن الكريم شواهد كثيرة على هذا الفن منها قوله تعالى, أذكر بعضا منها زيادة في إيضاح هذا الفن البلاغي:
" اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين " – الفاتحة: 6 - 7
فصراط الذين جاء لإيضاح ما قبله وهو (الصراط المستقيم).
" يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم " – البقرة -49
الإبهام في قوله " يسومونكم " أوضحه قوله تعالى " يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ".
" فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى " - طه: 120
ذكرت الوسوسة بشكل إجمالي ثم جاء البيان عنها بشكل تفصيلي.
" فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا " المؤمنون: 27
الإبهام في قوله تعالى " فأوحينا إليه " والإيضاح في قوله تعالى " أن اصنع الفلك "
قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم من بين يدي عذاب شديد" – سبأ: 46
جاء قوله تعالى " أن تقوموا ..... " إيضاحا للإبهام في قوله تعالى " واحدة ".
" إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى. إن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فيلقيه اليم بالساحل ... " طه: 38 - 39
" ما يوحى " مبهم أوضحه قوله تعالى " أن اقذفيه ".
" واتقوا الذي أمدكم بما تعملون. أمدكم بأموال وبنين. وجنات وعيون " – الشعراء 132 – 134
جاء بذكر ما أمدهم به مجملا, ثم شرع في تفصيل ألوان ذلك.
" و نادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا" – الأعراف: 44
في قوله " ونادى " إبهام أوضحه قوله نعالى " أن قد وجدنا ... "
" يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم. تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم " الصف: 10 - 11
جيء بذكر التجارة مبهمة مجملة, ثم جاء الإيضاح في بيان نوع تلك التجارة " تؤمنون بالله .... ".
لا زال الحديث متصلا حول بلاغة هذه الآية الشريفة:
" يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب " - الحج:73
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[08 - 10 - 2005, 03:52 ص]ـ
¥