تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

" يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب " - الحج:73

من الجوانب البلاغية التي نلمسها في هذه الآية الجانب اللفظي وهو دقة استخدام الكلمات وتلاؤمها مع المعنى المراد, وسأشير إلى ثلاث كلمات في الآية الشريفة - وهي: ذباب, و يسلب, ويستنقذ – كي ندرك الجانب الإعجازي في اختيار هذه الكلمات.

سأبدأ بكلمة (ذباب).

اختير الذباب دون غيره لكثرته ولحقارته ولضعفه, وعجز الإلهة المزعومة عن مقاومته مع ما به من ضعف.

جاء خطاب التحدي لبيان عجز تلك الآلهة عن خلق ذباب واحد, فالذباب اسم جنس يطلق على المذكر والمؤنث, وجمعه أذبة وذبَّان.

ما هو السر في اختيار الذباب؟

على الرغم من أن النظرة علمية في هذا الجانب, إلا أنها تخدم الناحية البلاغية بشكل غير مباشر.

سننظر إلى هذا من ناحيتين: الإعجاز في الخلق, والإعجاز في الأداء الوظيفي للذباب.

كي ندرك سر التحدي الإلهي لا بد أن نتعرف على سر الإعجاز في خلق الذباب, فهذه الحشرة على صغرها تتكون من ملايين من الخلايا لكل مجموعة وظيفة تختص بها دون غيرها, وهي تتكون من رأس وصدر وبطن, ومزودة بستة أرجل, و أقدام مغطاة بزغب كثيف , وذات قدرة على إفراز مواد تساعد الذباب على الالتصاق بأي سطح, سواءا أكان في وضعها المعتدل أو وضعها المقلوب. ويوجد بجسم الذباب ما يربو عن مليون خلية عصبية متناسقة مع ما يقوم به الذباب من حركات, وهذه الخلايا العصبية مرتبطة بثمانية وثلاثين زوجا من العضلات منها سبعة عشر زوجا لحركة الجناحين , وواحد وعشرون زوجا لحركات الرأس. كذلك فإن بالذباب عينان مركبتان, تتكون الواحدة منها من ستة آلاف عيينة سداسية, ويتصل بكل واحدة ثمانية خيوط عصبية مستقبلة للضوء بمجموع ثمانية و أربعين ألف خيط عصبي للعين الواحدة ذات قدرة على معالجة مائة صورة في الثانية الواحدة. ومن هنا ندرك سر تحدي الله لتلك الأصنام عن خلق الذباب لما فيه من أسرار خلق في غاية التعقيد والإتقان.

النقطة الثانية:

لماذا جاء التعبير القرآني بالكلمة (يسلبهم) دون غيرها, أي هل يكون هناك فرق في المعنى لو كان التعبير القرآني " وإن يأخذ الذباب منهم شيئا ... "

إن هناك جمال بياني في اختيار (يسلبهم)

الاستلاب في اللغة هو الاختلاس , والسلب هو نزع الشيء من الآخر قهرا.

هناك إعجاز بلاغي في استخدام الكلمة (يسلب) فالذباب يختلس ما يأخذه من تلك الأصنام اختلاسا , وينزعها منهم قهرا, لعجزهم عن مقاومته.

والسر في مقدرة الذباب على الاختلاس يتضح من خلال قراءة هذه الإشارات العلمية التي كتبها الدكتور زغلول النجار في أحد أعداد جريدة الأهرام المصرية, والتي تساعد في فهم الجانب اللغوي:

" حركات الذبابة المنزلية علي درجة عالية من التعقيد إذ تبدأ في الاستعداد للطيران بتحديد العضلات التي سوف تستخدمها , ثم تأخذ وضع التأهب للطيران وذلك بتعديل وضع أعضاء التوازن في الجهة الأمامية من الجسم , حسب زاوية الإقلاع , واتجاه وسرعة الريح وذلك بواسطة خلايا حسية خاصة موجودة علي قرون الاستشعار في مقدمة الرأس. وهذه العمليات المعقدة لا تستغرق أكثر من واحد من مائة من الثانية. ومن الغريب أن الذبابة لها قدرة علي الإقلاع عموديا من المكان الذي تقف عليه , كما أن لها القدرة علي المناورة بالحركات الأمامية والخلفية والجانبية بسرعة فائقة لتغيير مواقعها , وبعد طيرانها تستطيع الذبابة زيادة سرعتها إلي عشرة كيلو مترات في الساعة , وهي تسلك في ذلك مسارا متعرجا ثم تحط بكفاءة عالية علي أي سطح بغض النظر عن شكله , وارتفاعه , واستقامته أو انحداره , وملاءمته أو عدم ملاءمته لنزول شيء عليه. ويساعد الذبابة علي هذه القدرة الفائقة في المناورة جناحان ملتصقان مباشرة بصدرها بواسطة غشاء رقيق جدا مندمج مع الجناح ; ويمكن لأي من هذين الجناحين أن يعمل بشكل مستقل عن الآخر , وإن كانا يعملان معا في أثناء الطيران علي محور واحد إلي الأمام أو إلي الخلف يدعمهما نظام معقد من العضلات يعين هذين الجناحين علي أن يتما إلي مائتي خفقة في الثانية (كما هو الحال في الذباب الأزرق) , وعليها أن تستمر علي ذلك لمدة نصف الساعة وأن تتحرك لمسافة ميل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير