وتتمثل في ما يريده اللّه تبارك وتعالى من تشريعات وأحكام، فهي إرادة راجعة إلى التشريعات والأحكام، فتحريم الخمر والميسر وإيجاب الصلاة والزكاة مثلاً، يعني أنّ اللّه قد أراد من الخلق أن يتركوا الخمر ويتركوا الميسر وأن يقيموا الصلاة ويُؤتوا الزكاة وهذا النوع من الإرادة يسمى بالإرادة التشريعية «أي أنّه تعالى قد أراد منا بتشريعاته وأحكامه وقوانينه ونظمه أن نترُك الخمر ونترُك الميسر ونُقيم الصلاة ونُؤتي الزكاة.
كقوله تعالى:
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَر أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " - المائدة: 6
تأملوا: يريد ليطهركم
الإرادة هنان إرادة تشريعية، أي أنّ الهدف الإلهي من جعل هذه الأحكام هو تطهير الناس، إذن فالإرادة التشريعية هنا هي وضع أحكام الطهارة من غسل ووضوء وتيمّم، والهدف هو طهارة الناس من الحدث والخبث، وبديهي أنّ البعض سيمتثل لهذه الأحكام ويعمل بها، بينما سيعرض عنها آخرون ولا ينفذونها، أمّا لو كانت إرادة إلهية على نحو التكوين لما أمكن لأحد أن يتخلّف عن تطهير نفسه.
". . . فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُم الْعُسْرَ. . ." - البقرة 185
الإرادة» في هذه الآية من قبيل سابقتها تشريعية أيضاً، وأنّها بصدد وضع قانون الصيام وضوابطه المختلفة المتعلّقة بالسفر والحضر أو الصحّة والمرض، بما يخفّف على المضطرّين، ولا يوقعهم في العُسر والمشقّة، ويجعل الصيام مفروضاً على الجميع دون مراعاة للحالات الخاصّة، إذن الإرادة في الآية تتعلّق بتشريع الأحكام والفروض، وليست هذه إلاّ الإرادة التشريعيّة بعينها.
الإرادة التشريعية تتخلف عن المراد، أي أنّ إرادة اللّه تعالى الكامنة في الأحكام والتشريعات تتخلف عن مراده، فقد أراد اللّه منهم أن يُقيموا الصلاة ويُؤتوا الزكاة و ... الخ، ولكنّ الكثير منهم لا يُصلي ولا يُؤدي، وأراد اللّه منهم أنّ لا يشربوا الخمر ولا يفعلوا الميسر ولايزنوا , بينما نرى أنّ هناك من يشرب أو يزني وهذا هو معنى تخلف الإرادة التشريعية عن المراد الإلهي.
في من هذين القسمين نضع هذه الآية الآية الشريفة؟
هذه من ضمن الإرادة التشريعية.
كيف؟
إن الهدف من عبادة الله ليس إجباريا, وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك:
فهي عمل اختياري.
عندما يبني إنسان ما مسجدا للصلاة, ويهيؤ أسباب الراحة فيه, فالمفوم من ذلك أن هذا العمل أريد منه أن يكون مكانا للصلاة, ولا يفهم من بناءه إجبار الناس على الصلاة فيه بشكل قسري.
وكذلك الحال هنا, فالله سبحانه وتعالى قد هيأ أسباب العبادة للإنسان, وأتاح له كل السبل التي تقويها وتعمق درجتها لديه, من إرسال الأنبياء وإنزال الكتب والتشريعات, الخ ....
هذه الوسائل نتاحة للكافر, كما هي متاحة للمؤمن, إلا أن الفرق بينهما هو أن الأول لم يستفد منها, بينما استفاد الثاني من تلك الوسائل.
أتمنى أن يكون الجواب شافيا وواضحا, ومن الله استمد العون والسداد.
ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[23 - 08 - 2005, 07:13 م]ـ
حول الإرادة
أود أن أبحث معك أخي الدكتور الموضوع في رابط مستقل
فهل تتفضل بدعوتي إلى مثل هذا الرابط؟؟
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[23 - 08 - 2005, 08:52 م]ـ
العزيز رجل صالح:
ألا تستفيد من عبادتك لله؟
أليس التكامل الروحي الذي تحققه لك عبادة الله استفادة؟
ألا يوجد فائدة من الصلاة, وهي أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر؟
ألا يوجد فائدة من الزكاة, وهي تطهيرها للمرء, أم أن تشريعها عبثا؟
ألا يوجد فائدة من تشريع الصيام والحج وسائر العبادات الأخرى؟
إذا كانت لا توجد فائدة تعود على الإنسان جراء عبادته لله, فلا فرق بين من يؤدي تلك العبادات ومن لا يؤديها.
ولماذا شرعها؟
هذه الفوائد العبادية والتي تشمل سائر العبادات الأخرى هي النتيجة المرتقبة التي يحصل عليها العبد عند امثثاله لأوامر الله ونواهيه.
الله ليس في حاجة لعبادتنا.
ولكنه لم يخلقنا عبثا, بل خلقنا لحكمة, وتلك الحكمة هي الهدف من الخلق, كما تقدم الكلام.
وهذا لا يتعارض مع غنى الله المطلق عن كل المخلوقات, بل يمثل مظهرا لعظمته, مع أنه غني عن هذا المظهر, ولكننا مفتقرون إليه سبحانه وتعالى.
¥