أقول: هل عزب عن ابن أكثم -وقد كان ممّن يكنّ العداء لآل البيت- أنّ المتعة داخلة في قوله سبحانه: (إلاّ على أزواجهم) وانّ عدم الوراثة تخصيص في الحكم، وهو لا ينافى ثبوتها، وكم لها من نظير، فالكافرة لا ترث الزوج المسلم، وبالعكس، كما أنّ القاتلة لا ترث وهكذا العكس، وأمّا الولد فيلحق قطعاً، ونفي اللحوق ناشئ إمّا من الجهل بحكمها أو التجاهل به.
وما أقبح كلامه حيث فسّر المتعة بالزنا وقد أصفقت الأُمّة على تحليلها في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والخليفة الأوّل، أفيحسب ابن أكثم أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حلّل الزنا ولو مدَّة قصيرة؟!
كبرت كلمة تخرج من أفواههم
وهناك روايات مأثورة عن الخليفة نفسه، تعرب عن أنّ التحريم كان من صميم رأيه، من دون استناد إلى آية أو رواية،:
- فقد روى مسلم في صحيحه: عن ابن أبي نضرة قال: كان ابن عبّاس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهى عنها، فذكر ذلك لجابر، فقال: على يدي دار الحديث: تمتّعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلمّا قام عمر قال: إنّ الله كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء، فأتمّوا الحجّ والعمرة وأبتّوا نكاح هذه النساء، فلئِن أُوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلاّ رجمته بالحجارة (28).
- وروى الإمام أحمد في مسنده عن أبي نضرة قال: قلت لجابر: إنّ ابن الزبير ينهى عن المتعة، وانّ ابن عبّاس يأمر بها، فقال لي: على يدي جرى الحديث: تمتّعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومع أبي بكر، فلمّا ولّي عمر خطب الناس فقال: إنّ القرآن هو القرآن، وإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الرسول، وإنّهما متعتان كانتا عَلى عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إحداهما متعة الحج والأُخرى متعة النساء (29).
وهذه المأثورات تعرب جملة من الملاحظات نجملها بملاحظتين اثنتين:
أوّلا: أنّ المتعة كانت باقية على الحلّ إلى عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وبقيت لوقت في أيامه حتى نهى عنها ومنع.
وثانياً: أنّه باجتهاده قام بتحريم ما أحلّه الكتاب والسنّة، ومن المعلوم أنّ اجتهاده -لو صحّت تسميته بالاجتهاد- حجّة على نفسه لا على غيره.
وفي الختام نقول:
إنّ الجهل بفقه الشيعة أدّى بكثير من الكتّاب إلى التقوّل على الشيعة، وخصوصاً في مسألة المتعة التي نحن في صدد الحديث عنها، بجملة منكرة من الآراء والأحكام تدلّ على جهل مطبق أو خبث سريرة لا يدمغ، ومن هذه الأقوال:
إنّ من أحكام المتعة عند الشيعة أنّه لا نصيب للولد من ميراث أبيه، وأنّ المتمتَّع بها لا عدّة لها، وأنّها تستطيع أن تنتقل من رجل إلى رجل إن شاءت. ومن أجل هذا استقبحوا المتعة واستنكروها وشنَّعوا على من أباحها.
وقد خفي الواقع على هؤلاء، وانّ المتعة عند الشيعة كالزواج الدائم لا تتم إلاّ بالعقد الدالّ على قصد الزواج صراحة، وانّ المتمتَّع بها يجب أن تكون خالية من جميع الموانع، وانّ ولدها كالولد من الدائمة من وجوب التوارث، والإنفاق وسائر الحقوق الماديّة، وانّ عليها أن تعتدّ بعد انتهاء الأجل مع الدخول بها، وإذا مات زوجها وهي في عصمته اعتدّت كالدائمة من غير تفاوت، إلى غير ذلك من الآثار (30).
على أنّ الأمر الذي ينبغي الالتفات إليه وإدراكه بوضوح، أنّ الشيعة ورغم إدراكهم وإيمانهم بحلّية زواج المتعة وعدم تحريمه -وهو ما يعلنون عنه صراحة ودون تردد- إلاّ أنّهم لا يلجأون إلى هذا الزواج إلاّ في حدود ضيّقة وخاصّة، وليس كما يصوّره ويتصوره البعض من كونه ظاهرة متفشية في مجتمعهم وبشكل مستهجن ممجوج.
بعض المسائل الشرعية حول لزواج المؤقت:
1 - يحلّ زواج المتعة اذا صدر الايجاب من المرأة فقالت زوجتُك نفسي أو أنكحتُك نفسي وصدر القبول من الزواج فقال قبلت النكاح أو قبلت الزواج، وقد ذكر المهر في العقد وذكر الأجل الذي ينتهي به عقد زواج المتعة، بشرط أن تكون المرأة غير مزوّجة وغير معتدّة. فان حصلت الامور المتقدمة صار الزواج صحيحاً كالزواج الدائم الا أن زواج المتعة يفترق عن الدائم بذكر مدّة له كعشرة سنين.
2 - يحرم عقد المتعة في الصور التالية:
أ - على الكافرات غير الكتابيات (أي الملحدات).
ب- على الأمة الداخلة على الحرة من دون اذن الحرّة.
¥