تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وصفوة القول في هذا القسم أن التشبيه يستخدم إما كبرهان لإثبات المدعى وهوما يسمى في علم المنطق بالتمثيل ويمكن أن يسمى في علم البلاغة بالتشبيه البرهاني وإما كأحسن أداة لإيضاح المعنى المقصود وهو مايمكن أن يسمى بالتشبيه البياني.

وبعد هذا البحث الموجز حول الغرضين الرئيسيين للتشبيه آن لنا أن ندخل صميم الموضوع، وهو بلاغة التشبيه في القرآن الكريم كما وعدنا أن نبحث عنه في:

القسم الثاني: استعمال التشبيه في القرآن:

1 ـ لإثبات الحقائق.

2 ـ ولتوضيح المعنى.

ألف ـ أما استعماله لإثبات الحقائق، فيجب القول بأن هذا النوع مع ماله من الأهمية في البحث عن الأساليب البيانية في كلام الله ـ سبحانه ـ لم يحظ بعناية من علماء البلاغة، ولم يعيروه اهتماماً أو أغفلوا عنه، فهذا العالم الفاضل البارع ابن ناقيا البغدادي قد ألَّف كتاب "الجمان في تشبيهات القرآن"، ولم يذكر شيئاً من تشبيهاته البرهانية.

ولعل السبب الذي حمل ابن تاقيا ومن حذا حذوه أن يترك هذا النوع هو أن البحث عن بلاغة القرآن وإعجازه البياني يستلزم المقايسة والمقارنة وبالتالي تنزيه كلام الله ـ تعالى ـ عن أن يكون له نظير أو شبيه من كلام البشر، وما يوجد في كلام فصحاء العرب وشعرائهم إنما يكون غالباً من نوع التشبيه البياني؛ ولذلك صرف البلاغيون جلَّ اهتمامهم إلى الكشف عن بدائع التشبيهات البيانية دون البرهانية منها.

ومهما يك من أمر هؤلاء العلماء وتركهم التشبيهات البرهانية فقد وقع في روعي أن أفكر فيها وأبحث عنها وأفتح طريقاً جديداً أمام الملمين بتشبيهات التنزيل العزيز.

ولا يمكنني في هذا المقال أن أفصِّل القول فيها، ولذلك أحاول أن أعرض على القارئ الكريم نماذج منها في الموضوعات المختلفة كالآتي:

1 ـ إثبات توحيد الله ـ سبحانه ـ بالتشبيه البرهاني:

من الواضح أن إثبات التوحيد بالتشبيه البرهاني لا يتأتّى إلا في القضية السالبة لا الموجبة؛ لأنه ـ تعالى ـ بالبرهان العقلي وبالدليل النقلي كما في قوله ـ سبحانه ـ: (ليس كمثله شيء لله (19) تنزه عن أن يكون له مثل أو نظير فكيف يمكن إثبات وحدانيته بالقياس إلى غيره قياساً إيجابياً. أما إثبات توحيده بالتشبيه البرهاني وفي قضية سالبة تقرن بدليل ينفي المشابهة والمماثلة بين الله وغيره فهذا أمر ممكن؛ ومما جاء منه في كلام الله تعالى قوله: (أفمن يخلق كمن لا يخلق ... ((20).

فقد نفى لله حكم المساواة والمماثلة بين طرفي التشبيه المفروض وقرن به العلّة وهي تضادّ الطرفين في أن المشبه المفروض قادر على الخلق والمشبه به المفروض غير قادر عليه؛ فينتفي بذلك المشابهة (21)، فعلى هذا لا نحتاج إلى تكلف حمل التشبيه في الآية الكريمة على التشبيه المقلوب حسب زعم المخاطبين بالآية وهم المشركون (22)؛ لأن الكلام ليس في مقام ترجيح أحد طرفي التشبيه، بل في مقام افتراض تسوية المخلوق بالخالق والأصنام والأوثان برب العالمين ونفيها بالاستفهام الإنكاري.

ويعضد ما بينّاه من معنى التشبيه في الآية قوله ـ تعالى ـ في سورة أخرى (أَمْ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ((23) فقد بيّن الله ـ تعالى ـ أنَّ ما يمكن أن يجعل علة لاتخاذ شريك له في العباد هو القدرة على الخلق، وهي منتفية من المخلوق بالوجدان والبداهة، وهذه العلة هي نفس ما يشعر به قوله: (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلِقُ (، وقوله بعد آية: (والَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلِقُونَ شَيْئَاً وهُمْ يُخْلَقُون ((24)، وكذلك يقوّي ما ذكرناه قوله ـ تعالى ـ حكاية عن المشركين مخاطبين آلِهَتَهم ـ: (تاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِيِ ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَلَمِينَ ((25).

3 ـ إثبات المعاد بالتشبيه البرهاني:

ألف: قيس العود بالبدء؛ كما في قوله ـ تعالى ـ: (كَمَا بَدَأكُمْ تَعُودُون ((36)، فيؤوّل الكلام إلى: "عودكم ممكن ومحقق في المستقبل؛ لأن خلقكم أول مرة كان جائزاً وقد تحقق"، فقد شبه العود بالبدء في الحكم بجوازه وإمكانه بسبب أمر مشترك بينهما، وهو استغراب الوجود في البدء والعود أولاً وإزالته بالتعقل والتفكر في قدرة الله التي بها يزول كل استغراب وإليها ينتهي أمر كل خلق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير