تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)، فعلق حكم المصاحبة الخاصة التي تقتضي النصرة والتأييد على الوصفين اللذين اشتق منهما الفعل: "اتقوا"، واسم الفاعل: "محسنون"، وهما: التقوى والإحسان.

فصار المعنى الكلي المطلق: مشتركا معنويا في كل موارد اللفظ، تقيده قرينة السياق، كما يقيد بساط الحال ألفاظ المتكلم.

وقوله: (وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ):

بخلاف الأول: إضمار في موضع الإظهار، تحقيرا لشأن المذكور، فالقياس: وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فهجرته إلى تلك الدنيا التي يريد إصابتها أو المرأة التي يريد زواجها.

وقوله: (لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا):

خصوص بعد عموم، فالنساء من أعظم شهوات الدنيا، فخصصن بالذكر، تنويها بذلك، وتحذيرا من فتنتهن، وفي التنزيل: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ).

فقدمن على كل شهوة، لأنهن أعظم شهوة.

وفي رواية البخاري:

(إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)، فذكر التفريع الثاني دون الأول، اكتفاء بمفهوم المذكور، فهو يدل على المحذوف، ومن بلاغة المتكلم حذف ما يدل السياق عليه.

وإلى ذلك أشار الحافظ، رحمه الله، بقوله:

"لَعَلَّ الْبُخَارِيّ قَصَدَ أَنْ يَجْعَل لِكِتَابِهِ صَدْرًا يَسْتَفْتِح بِهِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ كَثِير مِنْ النَّاس مِنْ اِسْتِفْتَاح كُتُبهمْ بِالْخُطَبِ الْمُتَضَمِّنَة لِمَعَانِي مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ التَّأْلِيف، فَكَأَنَّهُ اِبْتَدَأَ كِتَابه بِنِيَّةٍ رَدَّ عِلْمهَا إِلَى اللَّه، فَإِنْ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ الدُّنْيَا أَوْ عَرَضَ إِلَى شَيْء مِنْ مَعَانِيهَا فَسَيَجْزِيهِ بِنِيَّتِهِ. وَنَكَبَ عَنْ أَحَدِ وَجْهَيْ التَّقْسِيم مُجَانَبَة لِلتَّزْكِيَةِ الَّتِي لَا يُنَاسِب ذِكْرهَا فِي ذَلِكَ الْمَقَام". اهـ

"فتح الباري"، (1/ 22).

فتجنب البخاري، رحمه الله، ذكر ما يشعر بتزكية النفس، تواضعا لله عز وجل.

وفي رواية ثالثة: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّة):

فـ: "أل": في: "النية" جنسية تفيد استغراق ما دخلت عليه، وقد يقال بأن محل النية واحد وهو: القلب، ومحل الأعمال وهي: الجوارح: متعدد، فجمع الثاني وأفرد الأول.

وإليه أشار الحافظ، رحمه الله، بقوله:

"وَوَقَعَ فِي مُعْظَم الرِّوَايَات بِإِفْرَادِ النِّيَّة، وَوَجْهه أَنَّ مَحَلّ النِّيَّة الْقَلْب وَهُوَ مُتَّحِد فَنَاسَبَ إِفْرَادهَا. بِخِلَافِ الْأَعْمَال فَإِنَّهَا مُتَعَلِّقَة بِالظَّوَاهِرِ وَهِيَ مُتَعَدِّدَة فَنَاسَبَ جَمْعهَا؛ وَلِأَنَّ النِّيَّة تَرْجِع إِلَى الْإِخْلَاص وَهُوَ وَاحِد لِلْوَاحِدِ الَّذِي لَا شَرِيك لَهُ". اهـ

"فتح الباري"، (1/ 18).

وذهب بعض أهل العلم إلى أن: "أل" في: "النيات" معاقبة للضمير، فتقدير الكلام: إنما الأعمال بنياتها، كما قيل في: زيد حسن الوجه، فـ: "أل" نابت مناب الضمير في: زيد حسن وجهه.

وإليه أشار ابن هشام، رحمه الله، بقوله:

"أجاز الكوفيون وبعض البصريين وكثير من المتأخرين نيابة "أل" عن الضمير المضاف إليه، وخرّجوا على ذلك: (فإنّ الجنة هي المأوى) و: مررت برجلٍ حسنٍ الوجهُ، و: ضُرب زيدٌ الظهرُ والبطنُ إذا رفع الوجه والظهر والبطن، (فيكون تقدير الكلام: فإن الجنة هي مأواه، و: مررت برجل حسن وجهه، و: ضرب زيد ظهره وبطنه)، والمانعون يقدرون هي المأوى له، والوجه منه، والظهر والبطن منه في الأمثلة".

بتصرف من "مغني اللبيب"، (1/ 76).

والله أعلى وأعلم.

ـ[أبوحسام ألأشقر]ــــــــ[13 - 04 - 2008, 12:26 ص]ـ

بورك فيك يا مهاجر لله درك على هذه التحفة .............

ـ[الهمام2003]ــــــــ[13 - 04 - 2008, 06:53 م]ـ

بوركت وبورك عملك

ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 04 - 2008, 09:35 م]ـ

وبوركتما أيها الكريمان، وبورك عملكما، وجزاكما الله خيرا على المرور.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير