تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقال القاضي ابن فرحون المالكي عنه: «كان مالكيًّا صنف لأهل السنة التصانيف، وأقام الحجج على إثبات السنن وما نفاه أهل البدع ... - ثم قال - فأقام الحجج الواضحة عليها من الكتاب والسنة والدلائل الواضحة العقلية، ودفع شبه المعتزلة ومن بعدهم من الملاحدة، وصنف في ذلك التصانيف المبسوطة التي نفع الله بها الأمة، وناظر المعتزلة وظهر عليهم، وكان أبو الحسن القابسي يثني عليه، وله رسالة في ذكره لمن سأله عن مذهبه فيه أثنى عليه وأنصف، وأثنى عليه أبو محمد بن أبي زيد وغيره من أئمة المسلمين» ([6]).

بيان عقيدة الأشاعرة في محل النزاع:

مذهب أهل السنة والجماعة ـ الأشاعرة والماتريدية ـ مذهب واضح في جميع أبواب علم التوحيد، ولكن أكثر ما ينكره من جهلوا حقيقة المذهب مسألة في الإيمان بالله، وهي تتعلق بـ «الإضافات إلى الله»،أو ما يسمى بـ «الصفات الخبرية».

ونشأ هذا بسبب أن بعض الألفاظ الواردة في القرآن، والتي أضافها الله له في كتابه العزيز يريد بعضهم أن يثبتها على الحقيقة اللغوية مما يلزم منه تشبيه الخالق سبحانه وتعالى بخلقه، وأما أهل الحق فرأوا أن هذه الألفاظ لا نتعرض لمعناها لأنها من قبيل المتشابه.

فهم يرون أن هذه الإضافات أو الصفات الخبرية لم تثبت لله من جهة العقل، وإنما ثبتت بالخبر، فطريقهم فيها هو أن هذه الألفاظ المضافة لله، أو الصفات المخبر بها، يُسلم بها وتمر كما جاءت دون أن يعتقد حقيقة مدلولاتها اللغوية، فلا يقولون نثبتها على المعني اللغوي الحقيقي لها؛ إذ ظاهر الألفاظ يدل على حقائق معانيها معروفة في اللغة، وهذه الحقائق اللغوية تتنافى مع تنزيه الباري سبحانه وتعالى. وعلى هذا درج المتقدمون من أهل السنة والجماعة، والذين عرفوا فيما بعد بـ «الأشاعرة».

ومتأخروهم سلكوا مسلك التأويل، حين رأوا أن الإثبات على طريقة المشبهة، أفضى عند بعضهم إلى القول بالجسمية ولوازمها، والمتقدمون من أهل السنة والمتأخرون كلهم متفقون على الإمرار وعدم التعرض للفظة بالنفي، وكذلك عدم اعتقاد حقيقتها اللغوية التي من شأنها تشبيه الرب سبحانه وتعالى بخلقه، ولكن زاد المتأخرون بأن هذه الألفاظ لا يجوز أن يفهم منها إلا ما يليق بالله، فكأنهم يقولون للخصم: إذا صممت أن تتكلم عن معنى لهذا الصفات؛ فقل أي معنى إلا المعنى الذي ينقص من قدر الرب ويشبهه بخلقه، فقالوا: أيها الخصم قل: عين الله تعني رعايته وعنايته، كما في قوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} ([7])، ولكن إياك أن تقول: إنها جارحة؛ ولذا يصلح أن نقول إن مذهب السلف مذهب اعتقاد، ومذهب الخلف مذهب مناظرة.

فهذا مذهب أهل السنة في التعامل مع تلك الألفاظ التي إذا ما أُثبتت على الحقيقة اللغوية تلزم التشبيه قطعًا؛ ولذا قال الحافظ العراقي في معرض الكلام عن «الوجه»: «تكرر ذكر وجه الله تعالى في الكتاب والسنة وللناس في ذلك - كغيره من الصفات - مذهبان مشهوران: (أحدهما): إمرارها كما جاءت من غير كيف فنؤمن بها ونكل علمها إلى عالمها مع الجزم بأن الله ليس كمثله شيء وأن صفاته لا تشبه صفات المخلوقين (وثانيهما): تأويلها على ما يليق بذاته الكريمة فالمراد بالوجه الموجود» ([8]). ويقصد بالناس «أهل الحق».

وما أجمل ما قال ابن قدامة المقدسي في «لمعة الاعتقاد» عن تلك الألفاظ التي توهم التشبيه في حملها على الحقيقة اللغوية! حيث قال: «وكل ما جاء في القرآن أو صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن وجب الإيمان به، وتلقيه بالتسليم والقبول، وترك التعرض له بالرد والتأويل، والتشبيه، والتمثيل، وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظًا، وترك التعرض لمعناه، ونرد علمه إلى قائله، ونجعل عهدته على ناقله اتباعًا لطريق الراسخين في العلم الذين أثنى الله عليهم في كتابه المبين بقوله سبحانه وتعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} ([9])،وقال في ذم مبتغي التأويل لمتشابه تنزيله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} ([10])،فجعل ابتغاء التأويل علامة على الزيغ وقرنه بابتغاء الفتنة في الذم، ثم حجبهم عما أملوه وقطع

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير