تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قوله تعالى: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ):تقديم ما حقه التأخير فيفيد: الحصر والتوكيد، واللام في: "له" تفيد الملكية والاستحقاق، و "ما": تفيد هنا عموم الملكية فهو، عز وجل، مالك الأعيان والأوصاف، المتصرف فيها: إيجادا وإعداما، ورفعا وخفضا، وإيتاء ونزعا ............. ، وفي التنزيل: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ).

قوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ):استفهام إنكاري إبطالي، فلا أحد يملك الشفاعة إلا بإذن الله، عز وجل، ورضاه عن المشفوع له، فلا شفاعة إلا لأهل التوحيد، وإن دخلوا النار ابتداء.

وإذن الله عز وجل:

كوني: فيأذن بالحوادث الكونية، مصداق قوله تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).

وشرعي: كالإذن بجماع الحليلة بكلمة الله، مصداق قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)، والإذن بالإفطار بغروب شمس يوم الصيام والإذن بمباشرة النساء في ليل رمضان ........ إلخ.

قوله تعالى: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ):

عموم آخر كعموم: (له ما في السماوات وما في الأرض).

قوله تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ):عموم مؤكد بوروده في سياق النفي، وزيادة الباء في: "بشيء"، وقد خص بالاستثناء: "إلا بما شاء"، فيطلع من شاء من رسله على ما شاء من غيبه، مصداق قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا)، ولا يعلم الغيب المطلق إلا هو، مصداق قوله تعالى: (قلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)، وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله:

"ومنها، (أي: من صيغ العموم): الفعل المضارع المنفي من جهة كون النفي، عند التحقيق، متسلطا على مصدر الفعل كما في: قوله تعالى: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما). فقوله: يحيطون به فعل مضارع والفعل الصناعي الذي يسمى بالفعل المضارع وفعل الأمر والفعل الماضي ينحل عند النحويين عن مصدر وزمن كما قال ابن مالك في الخلاصة:

المصدر اسم ما سوى الزمان من * * مدلولي الفعل كأمْنٍ مِنْ أَمِن

وقد حرر علماء البلاغة في مبحث الاستعارة التبعية أنه ينحل عن (مصدر وزمن ونسبة)، فالمصدر كامن في مفهومه إجماعا. فـ (يحيطون) تكمن في مفهومها (الإحاطة) فيتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل فيكون معه كالنكرة المبنية على الفتح، (أي: التي دخلت عليها "لا" النافية للجنس فتبنى على ما تنصب به، وهو الفتح)، فيصبر المعنى لا إحاطة للعلم البشرى برب السموات والأرض، فينفي جنس أنواع الإحاطة عن كيفيتها". اهـ بتصرف.

فصار العموم حاصلا في العامل: "يحيطون"، و: المعمول: "بشيء" من جهة: وقوعه في حيز النفي وزيادة الباء، فآل المعنى إلى: ولا يحيطون أي إحاطة بأي شيء من علمه، أو: ولا إحاطة لهم بأي شيء من علمه، فتكون النكرة: "إحاطة": اسم لا النافية للجنس، وهي نص في نفي عموم ما دخلت عليه.

واختلف في عائد الضمير في: "علمه": هل يعود على الله، عز وجل، فلا يحيطون بشيء من علم ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله إلا بما شاء، أو: يعود على علم الله، عز وجل، فلا يحيطون بشيء من علمه، وهو يعم علم ذاته القدسية وما سواها مما تعلق بخلقه، فيكون المعنى الثاني كليا للمعنى الأول، فهو يشمله وزيادة، ولا إشكال في اختياره لأن فيه زيادة معنى، والله أعلم.

قوله تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ):

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير