ويرى الزركشي أن: الفاصلة هي كلمة آخر الآية، كقافية الشعر، وقرينة السجع " (). ويضيف الزركشي إلى هذا التعريف رأيا يوضح فيه موضع ومقام الفاصلة إذ يقول: " تقع الفاصلة عند الاستراحة بالخطاب لتحسين الكلام بها. وهي الطريقة التي يباين بها القرآن سائر الكلام، وتسمى فواصل، لأنه ينفصل عندها الكلام، وذلك أن آخر الآية فصل بينها وبين ما بعدها أخذا من قوله تعالى: ? كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ? () ولم يسموها أسجاعا، ولا يجوز تسميتها قوافي إجماعا " ().
إن مقصد الزركشي هنا هوالإشارة إلى كون الفاصلة حالة خاصة بالنص القرآني وأحد نطاقات إعجازه وتميزه وتفرده عما سواه. والواضح الجلي من هذه التعريفات السابقة هو اتفاقها على:
1 - كون الفاصلة هي خاتمة الآية وآخرها.
2 - كون الفاصلة متشاكلة المقاطع إيقاعاً.
3 - لها دور في تحسين الكلام، وهذا هو جوهر عملها.
والسؤال الآن: كيف يمكننا معرفة الفاصلة القرآنية؟! والإجابة عند السيوطي في كتابه (الإتقان) إذ ينقل لنا من كتاب " أحكام الرأي في معرفة فواصل الآي " للجعبري الذي ضاع ولم يصلنا، ونقل منه السيوطي نصوصا، هي ما بين أيدينا في كتاب " الإتقان في علوم القرآن ". ينقل السيوطي لنا طريقتين لمعرفة تواصل الآيات هما: الأولى: توفيقية: أي ما ثبت من كونه ? وقف عليه، فتحقق أنه فاصلة بلا شك. من ذلك ما رواه أبو داود عن أم سلمة لما سئلت عن قراءة رسول الله ? قالت: " كان يقطع قراءته آية آية. وقرأت: (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين) ().
والمستفاد من الحديث السابق هو كون فعله ? هو المحدد للوقف في النص القرآني. أما الطريقة الثانية؛ فهي قياسية؛ أي اتباع أحكام الوقف في النص القرآني. لكن ليس كل وقف في القرآن (فاصلة)، فالقرآن كله مبني على الوصل لا الوقف والفصل، ومن ثم كان لابد من طرق ووسائل لمعرفة القياسي من الفواصل. هذه الطرق والوسائل تنبع من النص القرآني ذاته، إذ يقاس على المنصوص عليه، فيلحق به، وذلك للمناسبة، ولا شيء في ذلك. ولذا سميت هذه الطريقة (بالقياسية).
أنواع الفواصل القرآنية:
تتنوع الفواصل القرآنية بحسب عدة مداخل لها. فالعلماء ينوعون الفواصل بحسب مداخل خمسة هي ():
1 - أنواعها من حيث حرف الروي (الحرف الأخير من الفاصلة).
2 - أنواعها من حيث طول الفقرة المبنية عليها.
3 - أنواعها من حيث موقع الفاصلة.
4 - أنواعها من حيث مقدارها من الآية.
5 - أنواعها من حيث الوزن. ونفصل القول في كل مدخل على حدة كما يلي:
أولاً: أنواع الفواصل من حيث حرف الروي:
الروي هو الحرف الذي تبنى عليه القصيدة وتنسب إليه. والروي يلتزم بعينه في سائر أبياتها. يقول ابن رشيق: " حرف الروي الذي يقع عليه الإعراب، وتبنى عليه القصيدة، فيتكرر في كل بيت وإن لم يظهر فيه الإعراب لسكونه " ().
هذا في جانب الشعر، أما في النص القرآني فلم تلتزم الآيات حرف روي واحد، وإنما كان تنوعها من مناطات إعجازها. وقد تنوعت الفاصلة القرآنية حسب حرف الروي إلى ثلاثة أنواع هي:
1 - المتماثلة (): وهي التي تماثلت حروف رويها، مثل قوله تعالى: ? وَالطُّورِ وَكِتَابٍ
مَسْطُورٍ فِي رِقٍّ مَنْشُورٍ? سورة الطور الآيات رقم (1، 2، 3).
2 - المتقاربة (): وهي المبنية على حروف متقاربة المخارج صوتيا، مثل قوله تعالى: ?الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّين ?سورة الفاتحة الآيتان رقم (2، 3) (فالميم) و (النون) متقاربان في المخرج.
3 - المنفردة: وهي نادرة، فلم تتماثل حروف رويها، ولم تتقارب، مثل: فاصلة آخر آية في سورة الضحى، قال تعالى: ? وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ? سورة الضحى آية رقم (12). فهي على حرف (الثاء) وما قبلها على حرف (الراء) فلا تماثل ولا تقارب هنا.
¥