تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والثالث: إيقاع القرآن الذي يباينهما لينشئ تدرجات صوتية مختلفة، وكيفيات نغمية تتراوح بين الانتظام والتناسب، وبين التوازن والتقابل، تبعاً للفكرة أو للموضوع، وللموقف أو للمعنى الذي يريد أن يعبر عنه أو يوصله. وفي كل سورة أو نص قرآني ينبع الإيقاع من اندماج عنصرين هما:

1 - نغمة خاصة تناسب الفكرة، وتقوم الفاصلة فيها بدور المفتاح.

2 - لحن ينتظم النغمات جميعاً على اختلافها، في شكل منسجم، يخلف في روح المتلقي شعوراً ما.

وبالنغمات يوقع القرآن إيقاعات شتى على أوتار النفس، وباللحن المتساوق يترك وحده الأثر، والعلاقة بين النغمات التي تصنع اللحن علاقة ذات أساليب شتى، فقد تقوم على الشوق أو الترقب، أو على الترجيع أو على سواها حتى يثير القرآن في أنفسنا ألواناً من الانفعالات تنصهر أخيراً في بوتقة الإحساس النهائي حين تتجه إلى غايتها المنشودة. ولعل التطبيق الإيقاعي على أحد السور القرآنية يكون مفتاحاً لتبيان هذا التقرير التفصيلي لأنواع الإيقاع كما يلي:

سورة النازعات: مكية، وعدد آياتها (46) آية. تُقَسَّم إلى ستة محاور تبعاً للسياق القصصي فيها. يقول تعالى:

الأول: ? وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً {1} وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً {2} وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً {3} فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً {4} فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً {5} ?.

الثاني: ?يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ {6} تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ {7} قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ {8} أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ {9} يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ {10} أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً {11} قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ {12} فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ {13} فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ {14} ?.

الثالث: ? هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى {15} إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى {16} اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى {17} فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى {18} وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى {19} فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى {20} فَكَذَّبَ وَعَصَى {21} ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى {22} فَحَشَرَ فَنَادَى {23} فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى {24} فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى {25} إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى {26} ?.

الرابع: ? أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا {27} رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا {28} وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا {29} وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا {30} أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا {31} وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا {32} مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ {33} ?.

الخامس: ? فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى {34} يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى {35} وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى {36} فَأَمَّا مَن طَغَى {37} وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا {38} فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى {39} وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى {40} فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى {41} ?.

السادس: ? يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا {42} فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا {43} إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا {44} إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا {45} كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا {46} ?.

المعنى الجامع:

موضوع السورة يوم البعث، وهذا الموضوع أكثر هيمنة في الآيات المكية عنها في المدنية. فهذا اليوم ينكره الكافرون ويهزأون به. فكيف يثيره القرآن في نفوسهم؟ لا بد أن يلفت نظرهم أولاً إلى واقع مادي مماثل يشاهدونه كل يوم، وليس لدى العربي أجمل من منظر الخيل المغيرة السابحة التي تكابد وتنزع في أعنتها حتى تنهي الحرب، وتدبر أمر الظفر والغلبة. ثم يستحضر لهم في المقابل واقعاً آخر من الغيب الذي يرفضونه ولا يؤمنون به، ويمثل لهم ما يحدث فيه من هزة عنيفة تغير الثابت من نظام الكون. ثم يأخذ بهم ثانياً في الماضي وفي الحاضر، فيما يسمعون من قصص الغابرين، وفيما يرون من آثارهم الدارسة أمامهم. ويعود بعد ذلك إلى القضية الأم،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير