تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المسألة الأصل، يوم القيامة فيصف مآل الناس فيها إلى نعيم مقيم أو عذاب خالد، ويختم بالسؤال عن موعد هذا اليوم وعن ترقبه الداهم، وخفاء ذلك على كل البشر حتى المصطفى – صلى الله عليه وسلم -.

التحليل الإيقاعي:

يتألف إيقاع السورة من ست جمل موسيقية:

1 - الجملة الأولى واجفة مسرعة، تركض ركضاً، وتنزع نزعاً، وتستحيل في ارتفاع درجتها، وحدة جيشانها إلى خمسة تركيبات متساوية كأنها موزونة وزن الشعر (مستفعلن فعولن)، وهذا المطلع السريع يتفق مع ظل المعنى الغامض وإيماءاته المتعددة، وما يثيره في النفس من هزة ورهبة وتوجس. إن الأنفاس تكاد تتقطع ذعراً وارتجافاً وانبهاراً مرة بالموسيقى الخاطفة القارعة، ومرة بفيء المعنى الغامض.

2 - ثم تجيء الجملة الثانية طابعها من طابع المطلع، وإيقاعها من إيقاعه، كأنما المطلع لهذا المشهد إطار، الموسيقى ما زالت واجفة، هزاتها في الحس قوية، وتوجساتها في الشعور تهول وتروع.

3 - تتغير النغمة أو الإيقاع في العبارة الثالثة، فجو الحكاية وعرض الماضي واستحضار الذكريات لا تناسبه نغمات قارعة ولا واجفة، معها يهدأ الإيقاع وينساب، فتمتد العبارة، وتطول الجملة، ويتحول الخيال السمعي إلى خيال تأملي استرجاعي، ومما يوافق هذا الخيال نغمات لا تعنف ولا تشتد بل تبطئ وتسترخي.

4 - ترتفع نبرة النغمة في الجملة الرابعة حين ننتقل من ساحة التاريخ والذكرى إلى كتاب الكون المفتوح ومشاهده الهائلة، هنا يبدو التعبير قوي الأسر قوي الإيقاع، ولكنه لا يصل إلى درجة المطلع أو المشهد الأول في حدته، وإيقاعه اللاهث.

5 - وتجيء الجملة الخامسة في سياق مشهد الطامة الكبرى، فتعود النغمة حادة كما كانت في المطلع، تتسق معه قوة وعنفاً وبروزاً.

6 - في اللحظة التي يغمر فيها الوجدان ذلك الشعور المنبعث من التوقيعات المختلفة، واللمسات الموحية، يرتد السياق في الجملة الأخيرة إلى المكذبين بيوم الساعة بإيقاع حازم هائل وسريع يزيد من روعة الساعة وهولها وضخامتها في الحس وفي النفس، وتشارك الهاء الممدودة في تجسيم الهول وتشخيص الضخامة.

ولقد كانت الفاصلة (القافية) في النغمات جميعاً تقوم بدور المفتاح، فتلون النغمة وتمنحها درجتها، وتعددت الفواصل بتعدد النغمات حتى بدت كأنها النهايات الطبيعية التي كانت تصل إليها كل موجة متدفقة من موجات التعبير الزاخر بالحركة والجيشان.

أما لحن السورة وهو مجموع النغمات بمفاتيحها وفواصلها في حالات ارتفاعاتها وانخفاضاتها فإنه يعتمد على لونين من الإيقاع:

- أولهما: إيقاع هادئ بطيء هو اللون الثانوي كما في الجملة الثانية.

- وثانيهما: إيقاع شديد بارز هو النغمة الرئيسة، ويبدو في حدة كلماته، وشدة نبراته ممثلاً في (النزع، والغرق، والراجفة، والرادفة، والزاجرة، والطامة، وطغى، وبرِّزت، والجحيم). وكان يتم الانتقال من نغمة إلى نغمة، أو من جملة إلى جملة ضمن الإيقاع العام، ويجمعها جميعاً صور من صور التعانق أو التآلف التي تسري فيها حركة واحدة رغم تموجها، هي حركة الإيقاع وحركة الصورة، وحركة الكون الخارجي، وحركة النفس الداخلية. وهي حركات تقوم على الرجف والوجف والاضطراب، وتكون النتيجة أن القلب البشري يحس في ذاته آثار الزلزلة والهول، ويهتز هزة الخوف والوجل، ويتهيأ لإدراك ما يصيب القلوب يوم الفزع الأكبر من ارتعاش لا ثبات معه، وبذلك يصل القرآن إلى مقصده.

هذا هو المصدر الأول لإيقاع القرآن متمثلاً في إيقاع النص , و يتجلى واضحاً لكل من عاش القرآن، واستلهم روحه، وأرهف السمع لنغماته.

ثانياً: مصدر المقرئ (التالي) – التنغيم:

نميز تلاوة القرآن من تنغيمه، فالتلاوة بطرائقها الثلاث: الترتيل والتدوير والحدر علم شرعي يتناول الحروف في مخارجها وصفاتها، وهو علم قديم له أصوله وقواعده التي ثبتت عبر العصور فلم تتغير، ولعل القرآن من هذه الجهة هو الحافظ الوحيد الذي حفظ العربية وطريقة نطق حروفها، ومن يستمع إلى المصحف المرتل يستطيع أن يتمثل أحكام النطق ومواقع النبرات في لغتنا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير