الركبان) في القرآن). فدل ذلك على أنه فهم من التقديم في الآية الفضل، فالمعنيان محتملان في الآية كما ترى " (). فالرجل يفتح قلبه وعقله للتأمل الذوقي لفهم السر وراء التقديم في الآية، وهذا الفهم الجميل هو الذي أتاح له إدراك (سرَّيْن) من أسرار التقديم في هذه الآية.
أما ابن القيم فقد نقل في كتابه (بدائع الفوائد) كل ما ذكره السهيلي في هذه الجزئية بالنص دون أن يغفل ذكر اسم السهيلي، بل ويعقب على هذا بذكر فضل السهيلي في هذه المسألة بقوله: " فهذا تمام الكلام على ما ذكره من الأمثلة، وله – رحمه الله – مزيد السبق، وفضل التقدم " (). وهذا كل ما فعله ().
أما قمة تناول المسألة فكانت على يد الإمام (الزركشي) في كتابه (البرهان في علوم القرآن) إذ فصل الكلام فيها، وجعل لها (25 خمسة وعشرين سببا)، كرر فيها (17 سبعة عشر سببا) ذكرها السابقون، وتفرد بذكر (8 ثمانية اسباب) لم يسبق إليها، ولم يحصيها السابقون، وهذه الأسباب هي ():
1 - التقديم لتحقق ما بعده.
2 - التقديم للتنبيه على أنه مطلق لا مقيد.
3 - التقديم للتنقل.
4 - التقديم للتنبيه على أن السبب مرتب.
5 - التقديم لمراعاة الإفراد.
6 - التقديم للتحذير منه والتنفير عنه.
7 - التقديم للتعجيب من شأنه.
8 - التقديم للترتيب.
وهذه الأسباب ليست جديدة تماما إلا في المسميات. فمثلا: يرى الزركشي أن التقديم في قول تعالى: ? وَجَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ الْجِنَ ? سورة الأنعام آية رقم (100) إنما هو من باب التقديم (للتنبيه على أنه مطلق لا مقيد) (). على حين يرى الإمام الطيبي في هذه الآية تقديما من باب (الاهتمام عند المخاطب). ولعل الرأي الراجح هنا هو رأي الطيبي، إذ المخاطب أكثر شغفا بمعرفة من هؤلاء الشركاء، ليزدادوا لهم إنكارا واحتقارا.
وكذلك ما ذكره في باب (التقديم للتنقل) والذي جعله الزركشي على أقسام هي ():
الأول: التنقل من الأقرب إلى الأبعد، وعليه قوله تعالى: ? الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً? سورة البقرة آية رقم (22).
والثاني: التنقل من الأبعد إلى الأقرب، وعليه قوله تعالى:? قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ? سورة المؤمنون آية رقم (86).
والثالث: التنقل من الأعلى إلى الأدنى، وعليه قوله تعالى: ? شَهَدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إلِهَ إِلاَّ هُوَ وَالمَلاَئِكَة وَأَولُوا الْعِلْمِ ? سورة آل عمران آية رقم (18).
والرابع: التنقل من الأدنى إلى الأعلى، وعليه قوله تعالى: ? وَلاَ يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً ? سورة التوبة آية رقم (121).
وهذه الأقسام أجملها الإمام السيوطي فيما بعد في كتابيه (الإتقان في علوم القرآن) و (معترك الأقران في إعجاز القرآن) تحت عنوان (الترقي من الأدنى إلى الأعلى) و (التدلي من الأعلى إلى الأدنى) ().
كذلك ما ذكره في باب (التقديم للتنبيه على أن السبب مرتب) ودلل عليه بقوله تعالى: ? يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ? سورة التوبة آية رقم (35). يقول الزركشي: " قدم الجباه ثم الجنوب لأن مانع الصدقة في الدنيا كان يصرف وجهه أولا عن السائل، ثم ينوء بجانبه، ثم يتولى بظهره " (). وهذا السبب مما تفرد الزركشي بذكره، ولم نجد له ذكرا عند سابق ولا لاحق ممن تناولوا هذا اللون من التقديم والتأخير بالتحليل.
أما ما ذكره عن (التقديم لمراعاة الإفراد)، والذي جعل منه تقديم (الأموال) على (البنين) في قوله تعالى: ? الْمَالُ وَالْبَنُونَ ? سورة الكهف آية رقم (46). فالتقديم في هذه الآية عند السهيلي من باب (التقديم بالعلة والسببية) (). وعند ابن الزملكاني من باب (التقديم بالعلة والسببية) (). وعند ابن القيم من باب (التقديم بالعلة والسببية) (). فلذا فالزركشي هنا ليس مجددا بالمعنى الصحيح، بل هو فقط مجدد في ذكر المسمى.
¥