كذلك ما ذكره عن التقديم من باب (التقديم للتحذير منه والتنفير عنه)، ودلل عليه بقوله تعالى: ? الزَّانِي لاَ يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةَ? سورة النور آية رقم (3)، وقوله تعالى: ? لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ? سورة الإخلاص آية رقم (3). يقول الزركشي في تعليقه على آية سورة الإخلاص: " إنه لما وقع في الأول منازعة الكفرة وتقولهم، اقتضت الرتبة بالطبع تقديمه في الذكر؛ اعتناء به قبل التنزيه عن الوالد الذي لم ينازع فيه احد من الأمم " (). فهذا مما تفرد بذكره أيضا.
أما تناوله لسبب التقديم في قوله تعالى: ? وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ? سورة الأنبياء آية رقم (79)، والذي جعله من باب (التقديم للتعجيب من شأنه) فهذا مما تفرد الزركشي بذكره أيضا.
وكذلك ما ذكره عن (التقديم لقصد الترتيب)، والذي دلل عليه بقوله تعالى: ? فَاغْسِلُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ عَلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ? سورة المائدة آية رقم (6). فقد ذكر هذه الآية من قبل في تدليله على باب (التقديم بالفضل والشرف)، وذكر فيها فضل تقديم (الوجه) على (اليد) (). وذكرها السهيلي في باب (التقديم بالفضل والشرف) ()، والعلوي في باب (التقديم بالشرف) ().
وهكذا فإن ما تفرد الزركشي بذكره من أسباب (التقديم والتأخير المعنوي) ينحصر في أربعة أسباب هي:
1 - التقديم لتحقق ما بعده.
2 - التقديم للتحذير منه والتنفير عنه.
3 - التقديم للتعجيب من شأنه.
4 - التقديم للتنبيه على أن السبب مرتب.
ويحمد للزركشي هذا الجهد الكبير في محاولته إحصاء الأسباب الداعية إلى (التقديم والتأخير المعنوي) مما وضعه في مقدمة أهل العلم الذين تناولوا هذا النوع بالدرس والتحليل.
أما السيوطي فقد تناول المسالة في مؤلفين هما (الإتقان في علوم القرآن) و (معترك الأقران في إعجاز القرآن). وإن كان ما ذكره في المؤَلَف الثاني لم يخرج قيد أنملة عما ذكره في كتابه (الإتقان) وتلك من عادات السيوطي الأثيرة لديه. هذا وقد جعل السيوطي للتقديم والتأخير قسمين هما:
الأول: ما أشكل معناه بحسب الظاهر، فلما عُرِفَ انه من الباب اتضح.
والثاني: ما ليس كذلك.
وجعل للقسم الثاني عشرة أنواع نقلها عن الإمام شمس الدين ابن الصائغ الحنفي في كتابه المفقود (المقَدِّمَة في سر الألفاظ المُقَدَمَة). وهذه الأنواع هي ():
1 - التقديم للتبرك، نحو قوله تعالى: ? شَهَدَ اللهُ أنََّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ ? سورة آل عمران آية رقم (18).
2 - التقديم للتعظيم، نحو قوله تعالى:?إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْنَّبِيِّ? الأحزاب (56).
3 - التقديم للتشريف.
4 - التقديم للمناسبة.
5 - التقديم للحث عليه، والحض على القيام به.
6 - التقديم بالسبق المكاني أو الزماني، أو بالإيجاد، أو بالوجوب، أو بالذات.
7 - التقديم بالعلة والسببية.
8 - التقديم بالغلبة والكثرة.
9 - التقديم للترقي من الأدنى إلى الأعلى.
10 - التقديم للتدلي من الأعلى إلى الأدنى.
وهذه الأسباب من نقولات السيوطي عن ابن الصائغ. وقد أضاف إليها سببين هما ():
الأول: كون التقديم أدل على قدرة الخالق.
والثاني: التقديم لرعاية الفاصلة.
ويلاحظ أن السيوطي في نقله لم يقدم جديداً اللهم ما نقله عن ابن الصائغ الحنفي الذي ذكر سبباً جديداً هو: (التقديم للتبرك). تلك هي أهم إسهامات البلاغيين في هذا النوع من " التقديم والتأخير".
تلك هي أهم الأسباب الداعية إلى تقديم " ما قدم والمعنى عليه ".
ثانياً: ما قدم والمراد به التأخير
وهذا النوع مشكل ظاهرا، فلما اتضح ما به من تأخير زال ما به من إشكال. وقد تناول هذا النوع العديد من البلاغيين (). فالزركشي يجعل لهذا النوع دلالتان تدلان عليه هما ():
1 - ما يدل عليه الإعراب، مثل تقديم المفعول على الفاعل نحو قوله تعالى: ? إِنَّمَا يَخْشَى اللَهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ? سورة فاطر آية رقم (28).
¥