4 - أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا {27} رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا {28} وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا {29} وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا {30} أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا {31} وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا {32} مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ {33}.
5 - فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى {34} يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى {35} وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى {36} فَأَمَّا مَن طَغَى {37} وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا {38} فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى {39} وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى {40} فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى {41}.
6 - يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا {42} فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا {43} إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا {44} إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا {45} كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا {46}.
المعنى الجامع:
موضوع السورة يوم البعث، وهذا الموضوع أكثر هيمنة في الآيات المكية عنها في المدنية. فهذا اليوم ينكره الكافرون ويهزأون به. فكيف يثيره القرآن في نفوسهم؟ لا بد أن يلفت نظرهم أولاً إلى واقع مادي مماثل يشاهدونه كل يوم، وليس لدى العربي أجمل من منظر الخيل المغيرة السابحة التي تكابد وتنزع في أعنتها حتى تنهي الحرب، وتدبر أمر الظفر والغلبة. ثم يستحضر لهم في المقابل واقعاً آخر من الغيب الذي يرفضونه ولا يؤمنون به، ويمثل لهم ما يحدث فيه من هزة عنيفة تغير الثابت من نظام الكون. ثم يأخذ بهم ثانياً في الماضي وفي الحاضر، فيما يسمعون من قصص الغابرين، وفيما يرون من آثارهم الدارسة أمامهم. ويعود بعد ذلك إلى القضية الأم، المسألة الأصل، يوم القيامة فيصف مآل الناس فيها إلى نعيم مقيم أو عذاب خالد، ويختم بالسؤال عن موعد هذا اليوم وعن ترقبه الداهم، وخفاء ذلك على كل البشر حتى المصطفى – صلى الله عليه وسلم -.
التحليل الإيقاعي:
يتألف إيقاع السورة من ست جمل موسيقية:
1 - الجملة الأولى واجفة مسرعة، تركض ركضاً، وتنزع نزعاً، وتستحيل في ارتفاع درجتها، وحدة جيشانها إلى خمسة تركيبات متساوية كأنها موزونة وزن الشعر (مستفعلن فعولن)، وهذا المطلع السريع يتفق مع ظل المعنى الغامض وإيماءاته المتعددة، وما يثيره في النفس من هزة ورهبة وتوجس. إن الأنفاس تكاد تتقطع ذعراً وارتجافاً وانبهاراً مرة بالموسيقى الخاطفة القارعة، ومرة بفيء المعنى الغامض.
2 - ثم تجيء الجملة الثانية طابعها من طابع المطلع، وإيقاعها من إيقاعه، كأنما المطلع لهذا المشهد إطار، الموسيقى ما زالت واجفة، هزاتها في الحس قوية، وتوجساتها في الشعور تهول وتروع.
3 - تتغير النغمة أو الإيقاع في العبارة الثالثة، فجو الحكاية وعرض الماضي واستحضار الذكريات لا تناسبه نغمات قارعة ولا واجفة، معها يهدأ الإيقاع وينساب، فتمتد العبارة، وتطول الجملة، ويتحول الخيال السمعي إلى خيال تأملي استرجاعي، ومما يوافق هذا الخيال نغمات لا تعنف ولا تشتد بل تبطئ وتسترخي.
4 - ترتفع نبرة النغمة في الجملة الرابعة حين ننتقل من ساحة التاريخ والذكرى إلى كتاب الكون المفتوح ومشاهده الهائلة، هنا يبدو التعبير قوي الأسر قوي الإيقاع، ولكنه لا يصل إلى درجة المطلع أو المشهد الأول في حدته، وإيقاعه اللاهث.
5 - وتجيء الجملة الخامسة في سياق مشهد الطامة الكبرى، فتعود النغمة حادة كما كانت في المطلع، تتسق معه قوة وعنفاً وبروزاً.
6 - في اللحظة التي يغمر فيها الوجدان ذلك الشعور المنبعث من التوقيعات المختلفة، واللمسات الموحية، يرتد السياق في الجملة الأخيرة إلى المكذبين بيوم الساعة بإيقاع حازم هائل وسريع يزيد من روعة الساعة وهولها وضخامتها في الحس وفي النفس، وتشارك الهاء الممدودة في تجسيم الهول وتشخيص الضخامة.
ولقد كانت الفاصلة (القافية) في النغمات جميعاً تقوم بدور المفتاح، فتلون النغمة وتمنحها درجتها، وتعددت الفواصل بتعدد النغمات حتى بدت كأنها النهايات الطبيعية التي كانت تصل إليها كل موجة متدفقة من موجات التعبير الزاخر بالحركة والجيشان.
¥