تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهكذا كان لكل وجهة تأويلية منهجها في تبيان سلوك القرآن لهذا المسلك الجمالي في إيراد المترادفين في سياقه النصي الذي يلائمه ويناسبه تمام المناسبة.

*ومنه قوله تعالى: ? فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ? ()، وقوله تعالى: ? فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ ? (). فلم عبَّر عن القيامة في هاتين الآيتين بلفظين مترادفين في الدلالة على هذا اليوم؟ يقول الراغب: " الصاخة: شدة صوت ذي النطق. يقال: صَخَّ يَصُخُ صَخاً فهو صاخٍ. قال تعالى: ? فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ ?، وهي عبارة عن القيامة " (). ويقول: " الطمّ: البحر المطموم، يقال له: الطمّ والرمّ، وطمّ على كذا، سميت القيامة طامة لذلك " (). وبملاحظة الآيتين يتضح أن لفظ (الطامة) لفظ شديد يستعمل في الأمور الحادة التي تنسى عندها الشدائد، لأنها تطمّ (تستُر) ما عداها. والقيامة هي الطامة الكبرى لأنها تُنسي ما تقدّم عنها من شدائد الدنيا، وهذا المعنى يناسب تماماً ما سبق في سياق السورة من إيراد سياقات التخويف والإنذار من ذكر النازعات الناشطات السابحات السابقات، ثم إيراد ما يعتري السماء والأرض من زلزلة ورجفة، ثم سياق ما ادعاه فرعون من ربوبية وألوهية، فتعاضدت السياقات معاً، فناسب ذلك كله أن يتم التعبير بكلمة شديدة فارقة فكانت كلمة (الطامة). يقول ابن الزبير: " أما وجه التناسب في ورود هذا اللفظ في سورة النازعات، فهو أنها تضمنت ذكر ما أتى به فرعون من الطامة الكبرى في الكفر حيث قال: ? أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ? ()، فهذه في الكبائر كشدة الآخرة في الشدائد، فكأنه قرن إلى ذكر الكبيرة الموفية على أمثالها ذكر الطامة الكبرى " ().

أما الصاخة فهي صيحة تعمّ الآذان، وهي صيحة شديدة، ولشدة صوتها تكون سبباً في الإحياء للناس يوم القيامة. وقد خصت آية سورة عبس بهذه اللفظة لأنها لم تبنَ على التخويف الشديد مثلما هو الحال في سورة النازعات، وإنما بنيت السورة على ذكر قصة ابن أم مكتوم، وإيراد النعم. فناسب بكل اسم من أسماء القيامة ما يلائم سياق الآيات.

ويرى الكرماني أن النازعات خصت بالطامة " لأن الطمّ قبل الصخّ، والقرْع قبل الصوت، فكانت هي السابقة. وخصت سورة عبس بالصاخة لأنها بعدها وهي اللاحقة " ().

ويطول بنا المقام إذا ما حاولنا إحصاء ما يناظر هذا التعاور الدلالي بين الكلمات المترادفة في سياق القرآن الكريم، لكننا نكتفي بهذه الإشارات الدالة على هذا الملمح الأسلوبي في السياق القرآني.

الهوامش:

1. - الجاحظ، البيان والتبيين، 1/ 20.

2. - سورة البقرة: آية رقم (155).

3. - سورة النحل: آية رقم (112).

4. - سورة الأعراف: آية رقم (84).

5. - سورة الشعراء: آية رقم (173).

6. - الخطابي، بيان إعجاز القرآن، 26.

7. - الباقلاني، إعجاز القرآن، 185.

8. - ابن الأثير، المثل السائر، 1/ 150.

9. - سورة الحج: آية رقم (5).

10. - سورة فصلت: الآيات من (37 – 39).

11. - الراغب، المفردات، 1/ 142.

12. - السابق، 2/ 223.

13. - ينظر: سيد قطب، التصوير الفني، 99.

14. - سورة البقرة: آية رقم (60).

15. - سورة الأعراف: آية رقم (160).

16. - الراغب، المقردات، 1/ 36.

17. - د. صلاح الخالدي، إعجاز القرآن البياني، دار عمار، الأردن، 2000، 225.

18. - ابن الزبير الغرناطي، ملاك التأويل، تحقيق: سعد القلاح، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1983، 1/ 68

19. - الكرماني، البرهان في متشابه القرآن، 112.

20. - سورة النازعات: آية رقم (34).

21. - سورة عبس: آية رقم (33).

22. - الراغب، المفردات، 2/ 3.

23. - نفسه.

24. - سورة النازعات: آية رقم (24).

25. - ابن الزبير، ملاك التأويل، 2/ 136.

26. - الكرماني، البرهان، 321.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير