تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما السياق في آية سورة فصلت فالحديث الأهم فيه يدور على معنى العبادة واستلزام الخشوع لله ?، واستحقاق المولى الكريم للعبادة، وعدم الاستكبار عنها. ولذا استعير الوصف للأرض هنا بالخشوع (الذي هو خاص بالجوارح على رأي الراغب)، وهذه الاستعارة موظفة بدقة، لأنه مثلما يكون الخشوع للبشر سبيلاً للمغفرة والارتقاء الروحي، يكون خشوع الأرض انتظاراً للحظة معانقة المطر كي تحيا وتربو. فاستعير الوصف باللفظ هنا اتساقاً مع السياق التصويري للآية ().

* ومن ذلك قوله تعالى: ? وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ? ().

* وقوله تعالى: ? وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ? ().

ومناط التحليل هنا كلمتا) (انفجرت) في آية سورة البقرة، (انبجست) في آية سورة الأعراف.، وكلتاهما في وصف حال الحَجَر حين أُمِرَ موسى –عليه السلام – بضربه ليسقي قومه. فما دلالة هذا التعاور بين المفردتين المترادفتين؟ يقول الراغب: " يقال بَجَسَ الماء وانبجس: انفجر. لكن الانبجاس أكثر ما يقال فيما يخرج من شيء ضيق، والانفجار يستعمل فيه وفيما يخرج من شيء واسع، ولذاك قال ?: ? فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً ?، وقال في موضع آخر: ? الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً ?، فاستعمل حيث ضاق المخرج اللفظان " ().

والراغب يلمح بذائقته الجمالية كيف أن انبجاس الماء مرحلة سابقة على انفجار ه، إذ أن الانبجاس لما يخرج من شيء ضيق، والانفجار لما يخرج من شيء واسع، فالانبجاس يتوالى ويتوالى حتى يتسع مخرج الماء فينفجر، فكأن الانبجاس هو باكورة الانفجار. يقول د. صلاح الخالدي: " من اللطيف القول أن المرحلتين المتتابعتين مرتبتان في القرآن حسب ترتيب نزول القرآن. فالمرحلة الأولى التي انبجست فيها اثنتا عشرة عيناً، أخبرت عنها آية سورة الأعراف المكية. والمرحلة الثانية التي انفجرت فيها العيون، أخبرت عنها آية سورة البقرة المدنية " ().

وهذه نكتة لطيفة تراعي مناسبات النزول وأوقاته مع مناسبات السياق النص والجمالي، وتربط بينهما.

أما ابن الزبير الغرناطي (ت 708 هـ) فيرى أن " الواقع في الأعراف طلب بني إسرائيل من موسى ? السقيا، والوارد في سورة البقرة طلب موسى ? من ربه. فطلبهم ابتداء فأشبه الابتداء، وطلب موسى غاية لطلبهم لأنه واقع بعده ومرتب عليه، فأشبه الابتداء الابتداء، والغاية الغاية. فقيل جواباً لطلبهم: فانبجست، وقيل إجابة لطلبه: فانفجرت، وتناسب على ذلك " ().

وهذا أيضاً تأويل جميل من جانب ابن الزبير إذ جعل ما في جانب العاصي حين يَطْلُب الماء أن يُجاب بما يقيم أوده، ويحفظ حياته. وذلك بخلاف طلب النبي فإنه يُجاب بما يفيض كرامة له.

وللكرماني توجيه جميل في هذه الفروق بين التعبير بالمترادفين، غذ يربط بين سياق آخر في الآية بهذه أو تلك، فيجعل من ذكره سبحانه وتعالى لكلمة (واشربوا) في آية سورة البقرة دليل على المبالغة لمناسبة للفظ فقال (فانفجرت)، أما في آية سورة الأعراف فلم يقل (اشربوا) واكتفى سبحانه بلفظ (كلوا)، ولذا لم يبالغ في اللفظ فعبر بكلمة (فانبجست). يقول الكرماني: " الانفجار: انصباب الماء بكثرة، والانبجاس ظهور الماء. وكان في هذه السورة (واشربوا) فذكر بلفظ بليغ، وفي الأعراف (كلوا) وليس فيه (واشربوا) فلم يبالغ فيه " ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير