3 - قوله تعالى: ? بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ? ()، عدول عن الملائم للفعل (كذب) وهو (الكاذبين) إلى مجاور دلالي هو لفظ (الظالمين).
4 - قوله تعالى: ? وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ? ()، عدول عن اللفظ الملائم للفعل (توكلوا) وهو لفظ (متوكلين) إلى مجاور دلالي هو لفظ (مسلمين).
5 - قوله تعالى: ? مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ? ()، عدول عن اللفظ الملائم للفعل (يضلل) وهو لفظ (الضالون) إلى مجاور دلالي هو لفظ (الخاسرون).
6 - قوله تعالى: ? إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ? ()، عدول عن اللفظ الملائم للفعل (يتوكل) وهو لفظ (المتوكلون) إلى مجاور دلالي هو لفظ (المؤمنون).
وهذه الألوان من العدول عن الملائم إلى المجاور الدلالي تجمل شحنات سياقية ونصية فريدة. فمثلاً ما نلمسه في قوله تعالى في سورة (إبراهيم: 11): ? إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ?. تم العدول عن كلمة (المتوكلون) كفاصلة للآية، وملائمة في الوقت نفسه للفعل (يتوكل) قبلها، إلى التعبير بكلمة مجاورة في الدلالة هي كلمة (المؤمنون)، فلم تم هذا العدول؟
نلاحظ أن هذا العدول تم في إطار الحفاظ على النسق الإيقاعي للفاصلة، وتجنب تكرارها مرة أخرى، إذ أن الفاصلة في الآية التالية لهذه الآية مبنية على كلمة (المتوكلون) في قوله تعالى: ? وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ? ()، فعدل إلى لفظة أعمّ تحمل في دلالاتها صفة التوكل، وهي كلمة (المؤمنون)، فأفاد بذلك الحفاظ على نسق الفواصل بعدم تكرارها، والتعبير بالأعم الذي يضم الأخص في جنباته.
أما بخصوص السياق في كل آية، فالمعنى في الآية الأولى يدور على دلالة المناجاة والجدل من جانب أنبياء الله لأقوامهم، وكيف أن هذه النبوة ليست اجتهاداً من عند أنفسهم، بل هي منة من الله عليهم، وليس في مقدور أي نبي أن يعدكم بأي سلطان أو ملك إلا بإذن الله. ولذا فإن الموعود بهذه النعم والخيرات إنما هو من اتبع هذا السبيل فآمن، وتوكل على الله، فعندئذ يكون له من الله كل الخير والثواب، ولن يحظ بهذا كله إلا المؤمنون المتوكلون على الله.
والسياق في الآية الثانية على تفصيل معنى التوكل على الله وتفويض الأمر إليه من جانب هؤلاء المرسلين، فهو الذي هداهم لهذا الطريق، واصطفاهم للنبوة، فحري بهم الصبر على كل الأذى من جانب هؤلاء الكفار، والاستمرار في الدعوة إلى سبيل الله مهما كانت الصعوبات والعراقيل، ثقة به وفي الله، لأن من توكل عليه أفلح ونجا.
فالآية الأولى تدور على توكيد معنى الإيمان أولاً، فناسب ذلك أن تكون فاصلتها معقودة بكلمة (المؤمنون)، أما الآية الثانية فالمعنى فيها على توكيد معنى التوكل، فناسب ذلك ذكر الفاصلة مبنية على كلمة (المتوكلون)، رعاية لسياق المعنى في كل آية. يقول الأنصاري: " قوله: ? وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ? قال ذلك هنا، وقال بعد ذلك: ? وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ? لأن الإيمان سابق على التوكل " ().
وهذا يتسق مع ما ذكرناه هنا في سياق التحليل.
¥