تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْر? () إنه يصور لك هذا المعنى في مظهر من الحركة المحسوسة الدائرة بين عينيك، و كأنها أمام آلات تتحرك بسرعة دائبة في نظام مستمر يعيها و تصورها الشعور و الخيال.

كما أن النظم السائد على أجزائه، والذي يظهر في التعبير بأركان ثلاثة هي:

1 - انسجام أجزاء الكلام والتئامها.

2 - وضع كل لفظ في موضعه اللائق.

3 - رعاية قوانين اللغة وقواعدها.

فالقرآن بلغ من ترابط أجزائه وتماسك كلماته وجمله وآياته مبلغاً لا يدانيه فيه أي كلام آخر مع طول نفسه، وتنوّع مقاصده، وافتنانه وتلوينه في الموضوع الواحد، فبين كلمات الجملة الواحدة من التآخي والتناسق ما جعلها رائعة التجانس والتجاذب، وبين جمل السورة الواحدة من التشابك والترابط ما جعلها واحدة متعانقة الآيات، ولأجل ذلك يقول سبحانه: ? قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ? ().

وبما أن قرينة الترابط والتآخي في الآيات القرآنية واضحة لمن أمعن فيها، فلذلك نطوي الكلام عن الإكثار فيها ونعطف الكلام إلى الأمر الثاني وهو: وضع كل كلمة في موضعها:

فلكل نوع من المعنى نوعٌ من اللفظ هو به أولى وأنسب، وكان إلى الفهم أقرب وبالقبول أليق، وكان السمع له أدعى والنفس إليه أميل، وهذا حكم سائر حتى في الألفاظ المتقاربة من حيث المعنى، كالحمد والشكر، والبخل والشح، والقعود والجلوس، والعلم والمعرفة وغير ذلك من الحروف والأسماء والأفعال، فإن لكل لفظة منها خاصية تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها، وإن كانا يشتركان في بعضها. وقد اهتم القرآن، باستعمال كل كلمة في موضعها بحيث لو أزيلت الكلمة أقيم مكانها ما يظن كونه مرادفاً لها، لفسد المعنى، وزال الرونق، ولأجل إيضاح ذلك نأتي بنماذج:

* نرى أنه سبحانه يأمر بالحمد فيقول: ? وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ? (). وفي موضع آخر يأمر بالشكر ويقول: ? اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً ? ().

وما هذا إلا لأن الحمد هو الثناء على الجميل، والشكر هو الثناء في مقابل المعروف، فالحمد ضد الذم، والشكر ضد الكفران. والآية الأولى ناظرة إلى صفة الله سبحانه وتعالى أي التنزه عن الولد والشريك فناسب الأمر بالحمد. والآية الثانية ناظرة إلى معروفه وإحسانه تعالى على آل داود فناسب الأمر بالشكر على المعروف.

* جاءت كلمة السهو في القرآن تارة متعدية بلفظة (في) في قوله تعالى: ? الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ) ?).وأخرى بلفظة (عن) في قوله تعالى: ? الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ? ().

وما هذا إلا لأن المراد في الآية الأولى أن الغفلة تعلوهم وتغمرهم، فناسب لفظة (في) الدالة على الظرفية، ولكن المراد من الآية الثانية هو السهو عن نفس الصلاة فناسب لفظة (عن).

ومن هنا نقف على سبب ما اشتهر بين أئمة البلاغة من أن الكلمة في نظم القرآن، تأخذ أعدل مكان في بناء هذا البنيان، ولا يصلح للحلول مكانها أي كلمة أخرى، لاستلزامه إما فساد المعنى، أو عدم إفادة المقصود.

الهوامش:

1. - المبرد، المقتضب، 1/ 8.

2. - أبو علي الفارسي، المسائل العسكريات، تحقيق: علي جابر المنصوري، دار القلم، دمشق، 1988، 83.

3. - الرماني، الحدود في النحو، ضمن كتاب «رسائل في النحو واللغة» تحقيق: مصطفى جواد ويوسف مسكوني، دار المعرفة، بيروت، 1978،39.

4. - ابن جني، الخصائص، 1/ 17. وينظر: ابن جني، اللمع، تحقيق: فائز فارس، دار الفكر، دمشق، 1995، 26.

5. - ينظر: عبد القاهر الجرجاني، المقتصد في شرح الإيضاح في النحو، تحقيق: د. كاظم بحر المرجان، دار الرشيد، بغداد، 1982، 1/ 68.

6. - ينظر: الزمخشري، المفصل في علم العربية، 6.

7. - ينظر: ابن الخشاب، المرتجل في النحو، تحقيق: علي حيدر، مجمع اللغة العربية، دمشق، 1988، 28، 340.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير