تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والنحويون على هذا الرأي، إذ يقررون هذا الأصل ويعتمدوه في مؤلفاتهم، كلّ بأسلوبه وطريقته الخاصة (). أما حديثهم عن الشكلين الأول والثاني وهما كون المبتدأ والخبر معرفتين أو نكرتين معاً، فقد فصل بعض النحويون القول في الابتداء بأحدهما. فقد أشار سيبويه إلى أنه إذا اجتمع معرفتان فالفيصل في الابتداء بأحدهما واعتماده (مبتدأ)، واعتماد الثاني منهما (خبراً) هو المتلقي نفسه. يقول: " إذا كانا معرفتين فأنت فيهما بالخيار، أيهما جعلته فاعلاً ورفعته، ونصبت الآخر كما فعلت ذلك في (ضَربَ) وذلك قولك: كان أخوك زيداً، وكان زيدٌ أخاك، وكان هذا زيداً، وكان المتكلم أخاك " ().

فسيبويه هنا يجعل مقاليد الأمور كلها في يد المتلقي تأمل قوله: (فأنت فيهما بالخيار) أليس هذا معناه أنه لا فرق في المعني إذا ابتدأت بأحدهما؟! لأنك بالخيار، فلا فرق في الدلالة بين التركيبي (زيدٌ أخوك) و (أخوك زيدٌ). وهذا مستغرب على سيبويه الذي يكرر في كتابه الكثير من الإشارات في بيان الفروق الدلالية بين التراكيب، والمتولدة عن حركية أحد أركان الجملة في ذات الجملة إيجاباً وسلباً ().

والمبرد يتناول المسألة من سيبويه، لكنه يبرز الفروق المتولدة من الابتداء بأحد المعرفتين إذ يقول: " إذا قلت: (ظننت زيدا أخاك) فإنما يقع الشك في الأخوة، فإن قلت: (ظننت أخاك زيداً) أوقعت الشك في التسمية " ().

أما ابن يعيش فيسلك في تحليل هذه المسألة سبيل البلاغة إذ يغوص على الفروق الدلالية المتولدة من كون المبتدأ والخبر معرفة والابتداء بأحدهما، فيجعل لكل منهما دلالات خاصة. يقول: " قد يكون المبتدأ والخبر معرفتين معاً نحو: (أخوك زيدٌ) و (عمرو المنطلقُ) و (الله إلهُنا) و (محمدٌ نبيُنا)، فإذا قلت: (زيدٌ أخوك) وأنت تريد أخوة النسب، فإنما يجوز مثل هذا إذا كان المخاطب يعرف زيداً على انفراده، ولا يعلم أنه أخوه لفرقة كانت بينهما أو لسبب آخر، أو يعلم أن له أخاً ولا يدري أنه زيد هذا، فتقول: (زيدٌ أخوك) أي هذا الذي عرفته هو أخوك الذي كنت علمته، فتكون الفائدة في مجموعهما، فإن كان يعرفهما مجتمعين لم يكن في الإخبار فائدة " ().

فهو في هذا النص يجعل للابتداء بأحد المعرفتين (زيد) و (أخوك) ضربين من الجمل هما: (أخوك زيدٌ) و (زيدٌ أخوك). ويفصل القول فيما يتولد منهما من دلالات. فالابتداء بـ (زيد) يجعل المعنى المراد متمحوراً حول التنبيه على أخوة النسب، وهذا عنده يجوز لأمور منها: معرفة المخاطب زيداً منفرداً، أو جهله بهذا النسب بينه وبين زيد لافتراق كان بينهما، أو لمعرفة المخاطب بهذه الأخوة لكنه يجهل تعيين هذا الأخ. وتنتفي هذه الدلالات تماماً عند الابتداء بـ (أخوك) إذ يكون التعيين هنا هو العامل المميز لهذه الجملة، وذلك لأن الاستعانة بـ (كاف الخطاب) والتي تجعل هذا التعيين واقعاً في الابتداء، فيكون المعنى: (هذا أخوك زيدٌ). فالمعنى عمدة في تحليله في هذه المسألة.

أما ابن هشام فقد تناول المسألة أثناء حديثه عما يميز المبتدأ من الخبر، وخاصة إذا كانا معرفتين، فيدير المعاني في المسألة على النسق البلاغي، يقول: " فإن كان المخاطب يعلم أحدهما دون الآخر فالمعلوم الاسم والمجهول الخبر؛ فيقال: (كان زيدٌ أخا عمرو) لمن علم زيداً وجهل أخوته لعمرو، و (كان أخو عمرو زيداً) لمن يعلم أخاً لعمرو، ويجهل أن اسمه زيد. وإن كان يعلمهما ويجهل انتساب أحدهما إلى الآخر، فإن كان أحدهما أعرف فالمختار جعله الاسم فتقول: (كان زيدٌ القائم) لمن كان سمع بزيد وسمع برجل قائم، فعرف كل منهما بقلبه، ولم يعلم أن أحدهما هو الآخر. ويجوز قليلاً: (كان القائمُ زيداً). وإن لم يكن أحدهما أعرف فأنت مخير نحو: (كان زيدٌ أخا عمرو) و (كان أخو عمرو زيداً) " ().

فابن هشام يدير الدلالات نفسها التي أثارها ابن يعيش في تناوله للمسألة، لكن ما يحسب له بحق هو إشارته إلى كون أحد المعرفتين ضميراً أو اسم إشارة ودخلت عليهما كان، فالأرجح في هذا المقام تعيين هذا الضمير مبتدأ وذلك لمكان التنبيه المتصل به ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير