تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- رأي ابن الأثير الذي يدور حول بيان الأثر اللاحق لنزول المطر، أي أنه نظر إلى التكرار من جهة أثره التالي.

- رأي الطوفي الذي يرى في التكرار تذكير لهم بما كان من حالهم قبل الغيث، أي أنه نظر إلى الأثر السابق لنزوله.

ولكل منهما حقه في النظر إلى المسألة من زاويته الخاصة. فابن الأثير نظر إلى (الحال بعد) أي إلى الأثر الإيجابي للمطر، في حين نظر الطوفي إلى (الحال قبل) أي إلى الأثر السلبي. والسياق في الآية يقوم على إيضاح معنى (الحال) قبل نزول المطر وهو (الإبلاس واليأس)، وعندئذ يكون التعبير - في غير القرآن - (وإن كانوا قبل نزول المطر عليهم لمبلسين)، فما الحاجة إذن إلى تكرار الظرف؟! وهل الظرف في الموضعين متحد الجهة؟! يقول العكبري: " قوله تعالى: (من قبله)، قيل: هي تكرير للأولى، والأوْلَى أن تكون الهاء فيها للسحاب أو للريح أو للكسف، والمعنى: وإن كانوا من قبل نزول المطر من قبل السحاب أو الريح، فتتعلق (من) بينزل " ().

والأخفش يحمل هذا التكرار على معنى اتحاد المرجع فيه، ومن ثم فهو للتأكيد (). وهذه المعاني جميعها مستفاد من بنية التكرار للظرف في الآية.

إضاءة:

يلحظ من توظيفات النص القرآني لسياقات تكرار شبه الجملة ملحظاً فريداً يتمثل في أن القرآن الكريم يوظف في سياق الآية شبه الجملة (حرف الجر + الاسم الصريح) ثم يعدل إلى تكرارها مرة أخرى لكن بصورة بنيوية غير الأولى تتمثل في (حرف الجر + الضمير العائد على الاسم المتقدّم). ونلمس ذلك في قوله تعالى: ? إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ ? ()، حيث عبّر بشبه الجملة (بالحياة) ثم لماّ أراد تصوير اطمئنان هؤلاء المعاندين بهذه الحياة كنّى بالضمير عنها، فكرر شبه الجملة المذكورة أولاً لكن بصيغة الضمير فقال: (بها). وتوظيف صيغة الماضي في جملة (رضوا) و (اطمأنوا) " للدلالة على التحقق والتقرير " ().

ويحتمل هذا التكرار لشبه الجملة بصيغة الضمير أن يكون دالاً على التحقير لهذه الحياة، إذ هم على وهم أنها أفضل من الآخرة، ولذا رضوا واطمأنوا بالأدنى دون الأعلى.

* ومنه قوله تعالى: ? وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ? ()، حيث ذكر أولاً شبه الجملة (في الأرض) ثم كررها مرة أخرى بتوظيف ضمير الغائب للمفرد المؤنث العائد على كلمة (الأرض) فقال: (فيها) مرتين. يقول أبو السعود: " المعنى: أتجعل فيها من يفسد فيها خليفة. والظرف الأول متعلق بتجعل، وتقديمه لما مرّ مراراً. والثاني بيفسد، وفائدته تأكيد الاستبعاد، لما أن في استخلاف المفسد في محلّ إفساده من البعد ما ليس في استخلافه في غيره " ().

فالتكرار هنا لشبه الجملة ذات الضمير على دلالة الاستنكار على (المستَخْلَف) لا الاستنكار على (المُسْتَخْلِف). كما أنه على معنى الاستبعاد لاستخلاف سبب فساد الأرض في مكان إفساده نفسه، إذ ذلك ما لا يستقيم مع علومهم وعقولهم. ويرى ابن عاشور أن التكرار هنا " لضمير ال {ض للاهتمام بها، والتذكير بشأن عمارتها، وحفظ نظامها، ليكون لك أدخل في التعجب من استخلاف آدم، وفي صرف إرادة الله تعالى عن ذلك إن كان في الاستشارة ائتمار " ().

* وعليه قوله تعالى: ?وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ? ()، حيث ذكر شبه الجملة (من النار) ثم كررها بالضمير في قوله (منها). يقول الزمخشري: " كنتم مشرفين على أن تقعوا في نار جهنم لما كنتم عليه من الكفر، فأنقذكم منها بالإسلام. والضمير للحفرة أو للنار أو للشفا، وإنما ُأنِّّثَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير