تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الحذف لا يكون إلا بدليل على المحذوف، هذا الدليل من بنية معهودة، أو نمط معروف، أو قرينة قائمة، أو معنى في السياق لا يستقيم إلا مع تقدير الحذف. وحذف الأسماء أياً كان نوعها وموقعها الإعرابي في التراكيب يستقيم في هذا الإطار، ويستدلّ على حذفها إما بأصل التركيب عند حذف المبتدأ والخبر، وإما بقرينة السياق ومعناه العام.

* فمن حذف المبتدأ ما نلمسه في قوله تعالى: ? ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ? ()، فقد تمّ حذف المبتدأ (اسم الإشارة هذا) من سياق التركيب، والتقدير: هذا ذِكْرُ. والحذف هنا تمّ لدلالة الأصل عليه، أي أن المُقَدَّم (مبتدأ) حُّذفَ من السياق للتخفيف، ثم لتعظيم شأن المحذوف طلباً للفائدة المتوخاة من هذا الحذف، ثم للتشويق إلى هذا المحذوف لجذب انتباه المتلقي لمعرفة هذا الذكر. فالحذف هنا تمّ طلباً لثلاثة مقاصد بلاغية هي (التخفيف، والتعظيم، والتشويق).

* ومنه قوله تعالى: ?لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ? ()، فحذف المبتدأ وتقديره: (بلدتُكم) و (ربُّكم) بدلالة قرينة السياق المعقود على الخطاب في الآية كلها. والمعنى: بلدتكم بلدةُ طيبة، وربُّكم ربُّ غفور. وقد تمّ الحذف هنا في حق المبتدأ لإبراز شأن المحذوف، وتعظيم قدره، وذلك بحذف الأسماء المسندة إلى ضمير الخطاب للجمع اكتفاءا بما سيق من قبل من هذه الضمائر، فيكون ذلك أكثر اتساقاً مع غرض التعظيم لشأن المحذوف، وأدلّ على تمام النعمة عليهم في هذا المقام.

* ومن حذف الخبر ما ذكره أبو عبيدة في قوله تعالى: ? مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ? ()، من كون الخبر في قوله: (أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا) محذوف، والتقدير: وظلها دائمُ، فتم حذف الخبر على المجاز. يقول أبو عبيدة: " مجازه مجاز المكفوف عن خبره، والعرب تفعل ذلك في كلامها " (). فحذف الخبر في الآية قائم على الإيجاز منعاً للتكرار، وذلك لتوحد الخبر في اللفظ.

* ومنه قوله تعالى: ? وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ? (). يقول الطبري في تعليل حذف الخبر في الآية: " وكذلك عدد اللائي لم يحضن من الجواري لصغر، إذا طلقهن أزواجهن بعد الدخول " ().

فحذف الخبر هنا لأنه قام دليل في الكلام على ذكر، فيكون ذكره ثانياً كاللغو. فالصمت عن الخبر، وعطف اللائي لم يحضن على اللائي يئسن مؤذناً باتحادهما في الخبر.

* ومنه حذف المضاف الذي يرد في اللغة على نوعين هما ():

الأول: حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، بشرط وجود القرينة الدالة على المحذوف.

والثاني: حذف المضاف مع بقاء عمله في المضاف إليه، أي بقاء أثره الإعرابي الدال عليه.

ومنه ما نلمسه في قوله تعالى: ? وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ? ()، أي: حبّ العجل، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

- وقوله تعالى: ? حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ? ()، أي: أكل الميتة.

- وقوله تعالى: ? وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً ? ()، أي: أمر ربّك.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير