* ومنه حذف المفعول، وذلك عندما يكون المراد الاقتصار على إثبات المعاني المتضمنة في الأفعال من غير تعرّض لذكر المفعول، فيصبح الفعل المتعدّي كغير المتعدّي. ومن ذلك ما نلمسه في قوله تعالى: ? وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ? ()، حيث تمّ حذف أربعة مفاعيل هما بيانها كما يلي:
1 – جملة (يسقون) ــــــــــــــــــــــــــــــــ حذف المفعول: (أغنامَهم).
2 - جملة (تذودان) ـــــــــــــــــــــــــــــــــ حذف المفعول: (أغنامَهما).
3 - جملة (نسقي) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ حذف المفعول: (أغنامَنا).
4 - جملة (فسقى) ــــــــــــــــــــــــــــــــــ حذف المفعول: (أغنامَهما).
فحذف هذه المفعولات هنا قائم على غرض بلاغي جميل هو الإيجاز السياقي. يقول عبد القاهر: " إنه لا يخفى على ذي بصر أنه ليس في ذلك كله إلا أن يترك ذكره، ويؤتى بالفعل مطلقاً، وما ذاك إلا أن الغرض في أن يُعلَم أنه كان من الناس في تلك الحال سقي، ومن المرأتين ذوْد، وأنهما قالتا: لا يكون منّا سقْي حتى يصدر الرعاء، وأنه كان من موسى عليه السلام من بعد ذلك سقي ... فاعرفه تعلم أنك لم تجد لحذف المفعول في هذا النحو من الروعة والحسن ما وجدت، إلا لأنّ في حذفه، وترك ذكره فائدة جليلة، وأن الغرض لا يصحّ إلا على تركه " ().
كما يكثر حذف المفعول بعد فعل المشيئة والإرادة في سياق الشرط. وعليه:
* قوله تعالى: ? وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ? ()، أي: لو شاء الله إعناتَكم.
* قوله تعالى: ? وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ? ()، أي: لو شاء الله هدايتَهم.
* كذلك يمكن حذف المفعول به رعاية للفاصلة، وذلك حتى تتسق إيقاعياً مع نظيراتها من الفواصل السابقة واللاحقة. ومنه قوله تعالى: ? مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ? ()، أي: قلاك. وقد تمّ الحذف هنا لكي تتوافق الفاصلة مع بنية الفواصل في السورة، إذ هي مبنية على الألف المقصورة، ولو ظهر المفعول هنا لانكسر هذا النسق الإيقاعي. ويرى د. السيد خضر أن الحذف هنا للمواساة والتخفيف عن النبي ? " حيث ذكر مفعول (ودَّع) وحذف مفعول (قلى)، وذلك ليحدث إيقاعاً في الفاصلة لا ريب، لأن السورة أكثرها بالألف المقصورة " ().
وترى د. عائشة عبد الرحمن أن الحذف هنا تم لنكتة بلاغية هي " تحاشي خطابه تعالى رسوله المصطفى في موقف الإيناس بصريح القول (وما قلاك)، لما في القلى من حس الطرد والإبعاد وشدة البغض، وأما التوديع فلا شيء منه في ذلك " (). وعلى هذه الدلالات تم الحذف للمفعول هنا.
* ومنه حذف الصفة، وذلك مع نية ذكر معناها في موضع الحذف استناداً إلى القرينة، ولو لم يتم ذلك لاختلّ المعنى المقصود. وعليه قوله تعالى: ? أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً ? ()، أي: سفينة صالحة. يقول د. طاهر حمودة: " هذا التقدير يقتضيه السياق اللفظي، لأن التعيّب لا يخرجها عن كونها سفينة، وإنما يجعلها غير صالحة في نظر الملك وأتباعه " ().
* وعليه قوله تعالى: ? قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ? ()، أي: الحق الواضح.
- وقوله تعالى: ? وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ ? ()، أي: قومك الكافرون.
* ومنه حذف الحال، وذلك إذا كان الحال قولاً أغنى عنه المقول. وعليه قوله تعالى: ? وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ? ()، أي: قائلين، أو داعين.
¥