أخي عبدالعزيز العمار
والأخت ندى الرميح
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[31 - 07 - 2008, 06:40 م]ـ
الآية الثانية: قوله تعالى: {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)}
معاني الكلمات:
النبأ العظيم يعني: الخبر الهائل المفظع الباهر الكبير , وسيأتي مزيد تفصيل في اللفتات.
الشرح الإجمالي:
أي: عن أي شيء يتساءلون من أمر القيامة، وهو النبأ العظيم الخبر الهائل المفظع الباهر.
قال قتادة، وابن زيد: النبأ العظيم: البعث بعد الموت. وقال مجاهد: هو القرآن. والأظهر الأول لقوله: {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} يعني: الناس فيه على قولين: مؤمن به وكافر.
هكذا رجح ابن كثير - رحمه الله - , وإن كان كلا الأمرين جائز حمل الآية عليه , وهو وارد عن السلف.
اللفتات:
1 - لما كان الاستفهام (في قوله "عم" مستعملاً في غير طلب الفهم حَسن تعقيبه بالجواب عنه بقوله: {عن النبإ العظيم} فجوابه مستعملة بياناً لما أريد بالاستفهام من الإِجمال لقصد التفخيم فبُيِّن جانب التفخيم ونظيره قوله تعالى: {هل أنبئكم على من تنزّل الشياطين تَنَزَّلَ على كل أفّاك أثيم} [الشعراء: 221، 222]، فكأنه قيل: هم يتساءلون عن النبأ العظيم ومنه قول حسان بن ثابت:
لمن الدار أقفرت بمعان ... بين أعلى اليرموك والصُّمّان
ذاك مَغنى لآل جَفْنةَ في الدهر ... وحَقٌّ تقلُّب الأزمان.
2 - عن كلمة النبأ:
النَّبَأ: الخَبَر، قيل: مطلقاً فيكون مرادفاً للَفْظِ الخبر، وهو الذي جرى عليه إطلاق «القاموس» و «الصحاح» و «اللسان».
وقال الراغب: «النبأ الخبر ذو الفائدة العظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن ولا يقال للخبر نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة ويكون صادقاً» ا ه. وهذا فرق حسن ولا أحسب البلغاء جَروا إلاّ على نحو ما قال الراغب فلا يقال للخبر عن الأمور المعتادة: نبأ وذلك ما تدل عليه موارد استعمال لفظ النبأ في كلام البلغاء، وأحسب أن الذين أطلقوا مرادفة النبأ للخبر راعَوا ما يقع في بعض كلام الناس من تسامح بإطلاق النبأ بمعنى مطلق الخبر لضرب من التأويل أو المجاز المرسل بالإطلاق والتقييد، فكثر ذلك في الكلام كثرة عسر معها تحديد مواقع الكلمتين ولكنْ أبلغُ الكلام لا يليق تخريجه إلا على أدق مواقع الاستعمال. وتقدم عند قوله تعالى: {ولقد جاءك من نبإِىْ المرسلين} في سورة الأنعام (34) وقوله: {قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون} [ص: 67، 68].
والعظيم حقيقته: كبير الجسم ويستعار للأمر المهم لأن أهمية المعنى تتخيّل بكبر الجسم في أنها تقع عند مدركها كمرأى الجسم الكبير في مرأى العين وشاعَت هذه الاستعارة حتى ساوت الحقيقة.
3 - في وصف النبإ بـ (العظيم):
ووصف {النبأ} ب {العظيم} هنا زيادة في التنويه به لأن كونه وارداً من عالِم الغيب زاده عظمَ أوصاف وأهوال، فوصف النبأ بالعظيم باعتبار ما وُصف فيه من أحوال البعث في ما نزل من آيات القرآن قبلَ هذا. ونظيره قوله تعالى: {قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون} في سورة ص (67، 68).
والتعريف في النبأ} تعريف الجنس فيشمل كل نبأ عظيم أنبأهم الرسول صلى الله عليه وسلم به، وأول ذلك إنباؤه بأن القرآن كلام الله، وما تضمنه القرآن من إبطال الشرك، ومن إثبات بعث الناس يوم القيامة، فما يروى عن بعض السلف من تعيين نبأ خاص يُحمل على التمثيل.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[31 - 07 - 2008, 06:42 م]ـ
جزاك الله خيرًا مبحرة، الفائدة عظيمة في مشاركتك.
وما زلنا نطلب المزيد، وننتظره بفارغ الصبر.
(جميع الكتب يدرك من قراها * * * * * ملال أو فتور أو سآمة
سوى هذا الكتاب فإن فيه * * * * * بدائع لا تمل إلى القيامة)
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[31 - 07 - 2008, 11:29 م]ـ
الأخت الفاضلة مُبحرة في علمٍ لاينتهي:
بارك الله فيك لهذه الإضاءات القرآنية الجميلة, ونحن متابعون لما يبثه قلمك من جمال في ظلال القرآن الكريم.
حول قوله تعالى: {عن النبأ العظيم}.
ذكرتِ أن السياق كأنه: هم يتساءلون عن النبأ العظيم
هذا التحليل منطقي, ويوجد له شاهد قرآني:
{لّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} , فالتقدير: هو لله الواحد القهار.
إلا أنه يوجد توجيه آخر في هذه الآية الشريفة, وهو أن يكون قوله تعالى {عن النبأ العظيم} استفهام آخر, ويكون تقدير السياق القرآني:
(أعن النبأ العظيم؟) , وقد حذف حرف الاستفهام للدلالة عليه, كما حذف في قوله تعالى:
{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} الأنبياء: 34
{أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} , فالتقدير: أهم الخالدون؟
تكرر الحرف (عن) مرتين في قوله تعالى:
عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)
قد ذهب بعض العلماء إلى أن (عن) الأُولى - عم يتساءلون - تعليلية, كأن السياق: لمَ يتساءلونَ عنِ النبأِ العظيمِ.
وذهبوا إلى أن الحرف (عن) في الآية الثانية مسبوق باستفهام مضمر كأن السياق: عمَّ يتساءلون عن النبأ العظيم؟ أو عن النبأ العظيم؟
¥