تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- تلافي الفكر الخامد، والفهم الجامد، والنظر الضيق الذي يقف بمعاني القرآن عند معهود أمة لا تقرأ ولا تكتب ولا تحسب، عند معهود العرب الأميين القدامى، ومخاطبة الناس في كل عصر على قدر عقولهم وعلومهم، ومواكبة التطور العلمي والفكري، وتقدم أدوات الرصد والملاحظة والتجربة والتحليل. قال القرافي: "الجمود على المنقولات أبدًا ضلال في الدين، وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين" (الفروق 1/ 177)، حتى لقد كثر الحفاظ، وقلّ المفكرون، ونضبت القرائح (تفسير طنطاوي جوهري 2/ 203)؛

- دعم حركة التفسير وعلومه، والتعرف على وجوه جديدة للإعجاز، فالقرآن متجدد الإعجاز، لا تنقضي عجائبه، ولا ينضب معينه، ولا يبلى على كثرة الرد (الترداد)؛

- دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، فإنهم يفهمون الإعجاز العلمي أكثر مما يفهمون الإعجاز اللغوي، والقرآن نزل على العرب الأميين، ولكنه ليس لهم وحدهم، بل هو للناس جميعًا (مناهل العرفان 2/ 100): لكل الطبقات ولكل الأمم ولكل الأجيال، فرب مبلَّغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. هذا إلى أن كثيرًا من العرب أنفسهم، وربما من علمائهم، ولاسيما في العصور المتأخرة، لم يعودوا يدركون الإعجاز اللغوي، ولا يعرفون من علوم اللغة وآدابها ما يمكنهم من الوقوف جديًا على هذا الإعجاز. كما أن من الجدير بالذكر هنا أن المسلمين غير العرب هم أكثر عددًا بكثير من المسلمين العرب.

- الرد على شبهة القائلين بأن هناك عداوة أو تناقضًا بين الدين والعلم. وإذا كان من الضروري إثبات عدم التناقض بين الدين والعلم، فهذا يقتضي عدم الوقوف عند هذا الحد، ويستتبع أن يكون هناك تفسير علمي مستمر لإثبات عدم التناقض، بل لإثبات الإعجاز. فلا تعارض بين كتاب الله المقروء وكتاب الله المفتوح، لأن مصدرهما واحد، هو منزل القرآن وخالق الكون، هو الحق تبارك وتعالى، والحق لا يتناقض. وإن العقل الصريح لا بد وأن ينسجم مع الدين الصحيح. ذلك أن الدين جاء بما يعجز عقلُ الفرد والمجموع عن دَرْكه، ولم يأت أبدًا بما يناقضه. فالعقل يوصل إلى الدين، والدين يقوي العقل، والعقل والدين نعمتان من نعم الله، لا يجوز لأحد تعطيلهما، أو العمل بما ينافيهما. ثم إن التفقه في الدين (النقل) لا بد أن يكون مقصوده تقويم العقل وتسديده، لا إلغاءه وتعطيله. وإن الإسلام بما فيه من كمال وجمال ما فتئ يشد الناس إليه، إما تثبيتًا لهم عليه، أو تحويلاً لهم من غيره إليه. وما أكثر ما توافر العلماء على دراسة أصوله في القرآن والسنة، سواء أكانوا من المسلمين أو من غيرهم، فكان ذلك سببًا في اكتشاف المزيد من وجوه إعجازه، في ميادين البلاغة والنظم والعقائد والأخلاق والتشريع. ولا تزال هناك دائمًا وجوه جديدة تكتشف مع الأيام، ومع تطور العلوم والمعارف، تشعر الناس بأن هذا الدين هو الدين الحق الذي] لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد [فصلت 42. وكلما زاد العلماء علمًا ومعرفةً واختصاصًا وصفاءً، زاد تقديرهم للإسلام، فإذا ما تراءى لهم شيء يتنافى مع هذا التقدير، فإنه لا يلبث أن يزول بالتمحيص، أو بالوصول إلى أن ذلك ما كان إلا نتيجة تفسير أو شرح أو فقه بشري، فيخطئ البشر، ويدركون يومًا بعد يوم أن للعقل البشري حدودًا، وأن للعلم البشري نهايات، وأن البشر ما أوتوا من العلم إلا قليلاً، وذلك في جنب علم الله الواسع المحيط.

ولو سار الناس في المسار الصحيح، لما زادهم علمهم إلا تمسكًا بدين الله، ولما زادهم دينهم إلا علمًا، ومن لم يوصله إلى الدين عقله أوصلته فطرته، لكنها الأغراض الدنيوية والشهوات هي التي تحول دونهم والرؤية الصحيحة، وهي التي تمنع الإيمان أو تضعفه.

سئل مرة الدكتور غرينييه، المسلم الفرنسي المعروف، والعضو السابق في مجلس النواب، عن سبب إسلامه، فقال: "لو أن كل صاحب فن من الفنون، أو علم من العلوم، قارن كل الآيات القرآنية المرتبطة بفنه أو علمه مقارنة جيدة، كما فعلت أنا، لأسلم بلا شك، إن كان عاقلاً، وخاليًا من الأغراض" (أوروبا والإسلام لعبد الحليم محمود ص 103).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير