تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أصلاً، ومن هنا جاءت هذه اللفظة الموحية بهذا المعنى. (8)

ثالثاً: ومن الفروق بينهما: ما قام به أحد الباحثين (9) - أيضاً - من استقراء لمواضع كل من (جاء، وأتى) في القرآن، من خلال النظر في مواضعهما، والغرض الذي سيقتا له، مستصحباً معه دلالتهما، فبعد نظر وتأمل اهتدى إلى أن بين اللفظتين فوارق دقيقة تتضح بجلاء من خلال سياق كل واحدة منهما، وخلاصة هذا الفرق: أن (الإتيان) تحيط به ثلة من الغموض والشك والجهل وعدم القصد، في حين أن (المجيء) تحيط به ثلة من معاني العلم واليقين وتحقق الوقوع، ثم ذكر شواهده على ذلك من الكتاب العزيز، ومن ذلك ما ذكره - تعالى - في قصة موسى:= مع فرعون، فإن فيها خير شاهد - كما يقول - على ما ذهب إليه من معنى الشك في (الإتيان)، واليقين في (المجيء) يقول تعالى: {فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور ناراً قال لأهله امكثوا إني آنست ناراً لعلى آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون * فلما أتاها نُودي من شاطىء الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة ... } [القصص: 29 - 30]، ويقول في موضع آخر {إذ قال موسى لأهله إنى آنست ناراً سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون * فلما جاءها نُودي أن بُورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين} [النمل: 7 - 8]، فقد جاء في الموضع الأول {فلما أتاها}، وفي الموضع الثاني {فلما جاءها}، وسبب هذه المغايرة اختلاف المقامين بين الشك واليقين، ففي سورة (القصص) سبق الإتيانَ شكٌ ورجاء، يدل على ذلك قوله {لعلى آتيكم} في حين سبق المجيءَ عزم ويقين في قوله {فلما جاءها}، ومن الشواهد على هذا - أيضاً - قوله - تعالى - {قال إنْ كنتَ جئتَ بآية فأت بها إن كنت من الصادقين} [الأعراف: 106] فالمجيء في الآية ذُكر في حق موسى:=، وقد كان مستيقيناً من هذه الآية، أما الإتيان بها فقد كان طلباً من فرعون على وجه التحدي، يدل على شك في نفسه كما يدل عليه قوله {إن كنت من الصادقين}.

ومن الشواهد على مجيء كلمة (جاء) في الأمور المحقق وقوعها اليقينية قوله - تعالى - {وجاء ربك والملَك صفاً صفاً} [الفجر:22] وقوله {وجيء يؤمئذ بجهنم ... } [الفجر:23]، وغيرها من الآيات التي تدل على هذا الأمر. (10)

وبهذا يتبين أن هاتين اللفظتين تختص كل واحدة منهما بإيحاءات خاصة بها، مما ينتفي معه أن تقوم كل واحدة منهما مكان الأخرى، إذ ليست اللفظتان مترادفتين، كما اتضح هذا الأمر من خلال سياق كل واحدة منهما في القرآن الكريم، وقد كان القرآن هو الحكم الفصل في هذه القضية، فرأينا كيف يفرق بين هاتين اللفظتين في استخدامهما، نظراً إلى اختصاص كل واحدة منهما بدلالة مغايرة للأخرى، مما يستحيل معه أن تحلَّ كل واحدة منهما محل الأخرى مما يجعل القول بترادفهما قولاً مردوداً مرفوضاً.

ويتضح مما تقدم، ومن خلال هذا المبحث كله أن لا ترادف في ألفاظ القرآن كلها؛ فلكل لفظة من هذه الألفاظ خصائصها التي تميزها عن غيرها، وتنفرد بها من بين سائر الألفاظ، مما يستحيل معه القول بترادفها، أو أن تحل محل أختها؛ وذلك أن لكل لفظ قرآني خصائصه الفريدة، ودلائله الدقيقة، التي لا توجد في سواه من الألفاظ التي تشترك مع ذلك اللفظ في أصل المعنى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحواشي والتعليقات:

(1) انظر: الصحاح: مادة: جاء، و انظر: اللسان: مادة: جيأ.

(2) انظر: البرهان للزركشي: 4/ 78، و: معترك الأقران: 3/ 485، وممن بسط القول في هذه المسألة الدكتور: محمود موسى حمدان في كتابه: (الإتيان والمجيء فقه دلالتهما، واستعمالهما في القرآن الكريم)، فقد بيَّن في هذا الكتاب ما تختص به كل لفظة عن الأخرى، من خلال ورود هاتين اللفظتين في القرآن، في مقامات متعددة، وسياقات مختلفة، مما يُرد القول بترادفهما، أو أن تحل إحداهما محل الأخرى.

(3) انظر: الترادف في القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق: 145، د. محمد نور الدين المنجد، دار الفكر دمشق، ط- 6 1417 ه-.

(4) انظر: البرهان: 4/ 80.

(5) انظر: المصدر السابق: 4/ 80.

(6) انظر: معترك الأقران: 3/ 486.

(7) وهو: د. حسن محمد باجودة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير