وأما المثنى بن الصباح فاختلف عليه - أيضاً - فروي عن الثوري، عنه، عن المغيرة ابن حكيم، عن صفية بنت شيبة، عن تملك، عن النبي r ، وقد تفرد بذلك عن الثوري: مهران بن أبي عمر العطار - كما ذكر البيهقي - ومهران صدوق له أوهام سيء الحفظ، (التقريب 6933) فمثله لا يحتمل تفرده عن الثوري مع كثرة أصحابه، وقد قال العقيلي: روى عن الثوري أحاديث لا يتابع عليها (الضعفاء الكبير 4/ 229) ففي ثبوت هذا عن الثوري نظر، والله أعلم.
ورواه حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، عن المثنى بن الصباح، عن المغيرة بن حكيم، عن صفية بنت شيبة، عن النبي r فجعله من مسند صفية.
والمثنى بن الصباح هذا اختلف فيه قول ابن معين، وقال أحمد: لا يسوى حديثه شيئاً، مضطرب الحديث. وضعفه أبو حاتم، والترمذي، والنسائي، والدارقطني وغيرهم. قال ابن عدي: له حديث صالح عن عمرو بن شعيب، قد ضعفه الأئمة المتقدمون، والضعف على حديثه بيِّن. وقال ابن حجر: ضعيف اختلط بأخرة، وكان عابداً. (تهذيب الكمال 27/ 203، التقريب 6471).
والحاصل أن ضعف المثني، مع الاختلاف عليه، ومخالفته لبديل بن ميسرة يؤكد سقوط روايته هذه، ويبقى أن رواية بديل بن ميسرة أصح إسناداً ومتناً، والله أعلم.
الطريق الثاني: طريق موسى بن عبيد، وهو مولى خالد بن عبد الله بن أسيد، وقد ذكره ابن حبان في الثقات. وترجم له البخاري، وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً. وقال ابن حجر: مجهول. (التاريخ الكبير 7/ 291، الجرح والتعديل 8/ 151، ثقات ابن حبان 5/ 403، تعجيل المنفعة ص415).
وقد تفرد برواية حديثه عبد الرزاق، ولكن اختلف عليه، فرواه أحمد بن حنبل، ومحمد بن يحيى، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن واصل مولى أبي عيينة، عن موسى ابن عبيد، عن صفية، عن امرأة - هكذا لم تسمها - عن النبي r . ورواه ابن أبي عمر، والرمادي، عن عبد الرزاق، عن هشام بن حسان، عن واصل مولى أبي عيينة، عن موسى بن عبيد، عن صفية، عن النبي r ، فجعله من مسند صفية، فهذا اختلاف في موطنين من الإسناد، وهو يؤكد عدم الاعتداد برواية موسى بن عبيد لجهالته، وللاختلاف في روايته، وللتفرد الواقع فيها والله أعلم.
الطريق الثالث: طريق منصور بن عبد الرحمن الحجبي، وهو منصور بن صفية، وقد رواه عنه اثنان، وهما علي بن محمد العمري، ومعروف بن مُشْكان - بضم أوله وسكون المعجمة - المكي.
فأما علي بن محمد العمري فلم أقف له على ترجمة، وقد رواه عن منصور، عن أمه صفية، عن برة بنت أبي تجراة، وقد تفرد بذلك عن علي بن محمد: محمد بن عمر الواقدي، وهو متروك، مع سعة علمه. (التقريب 6175)، فمثل هذا الطريق لا يلتفت إليه.
وأما معروف بن مُشكان فرواه عن منصور بن عبد الرحمن، عن أمه صفية، قالت: أخبرتني نسوتي من بني عبد الدار اللائي أدركن رسول الله r قلن: دخلن دار ابن أبي حسين فاطلعنا من باب مقطع فرأينا رسول الله r يسعى في المسعى، حتى إذا بلغ زقاق بني قرظة قال:" أيها الناس اسعوا فإن السعي قد كتب عليكم ".
ومعروف بن مشكان أحد القراء المشهورين، وقد ترجم له البخاري، وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، ولم أقف على من وثقه، غير أن ابن حبان ذكر في الثقات معروف بن خَرَّبُوذ وقال: كان ابن عيينة يقول: هو معروف بن مشكان. وقد ذكر البخاري ذلك - أيضاً - عن ابن عيينة. وقال الذهبي: وهو قليل الحديث، مقدم في القراءة. وقال ابن حجر: صدوق مقرئ مشهور. (التاريخ الكبير 7/ 414، والجرح والتعديل 8/ 322، والثقات 5/ 439، تهذيب الكمال 28/ 271، معرفة القراء الكبار 1/ 130، التقريب 6795)، وقد قال الحافظ محمد بن أحمد بن عبد الهادي بعد ذكر هذا الطريق: قال شيخنا - يعني المزي -: والحديث صحيح الإسناد، ومنصور بن عبد الرحمن ثقة مخرج له في الصحيحين. (تنقيح التحقيق 2/ 462)، وقد نقل ذلك عن ابن عبد الهادي غير واحد، وفيه شيء من النظر، وعلى كل حال فهذا الطريق أقوى من طريق الواقدي، عن علي ابن محمد العمري.
¥