تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[حكم رواية الخوارج]

ـ[أبو المنهال الأبيضي]ــــــــ[20 - 04 - 04, 08:18 م]ـ

إن الحمد لله تعالى، نحمده، ونستعين به، ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد:

فهذا بحث في حكم رواية الخوارج.

قال أبوداود – كما في " سؤلات الآجري " (2/ 117) –: " ليس في أهل الأهواء أصح حديثاً من الخوارج ".

وأقره ابن حجر في " هدي الساري " (ص 432، 433).

واعترض على ذلك بقول ابن لهيعة: " سمعت شيخاً من الخوارج تاب، ورجع، وهو يقول: إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيرناه حديثاً ".

وممن اعترض ابن حجر في " تهذيب التهذيب " (4/ 398) بعد ذكره لأثر ابن لهيعة، قال: " وأما قول أبي داود: أن الخوارج أصح أهل الأهواء حديثاً، ليس على إطلاقه ".

وأقره السخاوي في هامش " فتح المغيث " (2/ 61 – حاشية) بعد أن ذكر هذا الأثر، قال: " وحينئذ فقول أبي داود: " ليس في أهل الأهواء أصح حديثاً من الخوارج "، ليس على إطلاقه، كما أفاده شيخنا ".

قلت: ولا حجة في ذلك؛ لأن هذا الأثر منكر، وإليك بيانه:

أخرجه الفريابي في " الصيام " (34)، ومن طريقه الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي " (1/ 159)، وابن الجوزي في " الموضوعات " (1/ 20)، عن يوسف بن الفرج، وأبونعيم الحلبي، وإسحاق بن البهلول الأنباري، قالوا جميعاً: حدثنا عبدالله بن يزيد المقرئ، حدثنا ابن لهيعة، به.

وأخرجه الحاكم في " المدخل إلى الإكليل " (34) عن أبي نعيم الحلبي، به.

قلت: الذي يظهر من هذا التخريج أن الفريابي جمع بين الألفاظ، والصواب أن لفظة: " الخوارج " تفرد بها أبونعيم هذا، وقد قال فيه أبوداود: " ثقة، إلا أنه تغير في آخر أمره، لقن أحاديث ليس لها أصل ".

ويوسف بن الفرج لم أقف على ترجمته.

وإسحاق بن البهلول رواه عنه ابنه، فقال: ثنا أبى، قال: ثنا أبوعبدالرحمن المقرئ، قال: سمعت ابن لهيعة يذكر أنه سمع رجلاً من أهل البدع رجع عن بدعته، فجعل يقول: انظروا هذا الحديث عمن تأخذونه فإنا كنا إذا رأينا رأياً جعلناه حديثاً.

أخرجه الهروي في " ذم الكلام " (1387)، وعنه الخطيب في " الكفاية " (1/ 373) بسند صحيح إلى ابن لهيعة.

وتابع إسحاق عليه، محمد بن عبدالله بن يزيد المقرئ، عن، أبيه، به.

أخرجه ابن عدي في " مقدمة الكامل " (1/ 157) بسند صحيح إلى ابن لهيعة.

وتابعهما محمد بن أحمد بن الجنيد، عن عبدالله بن يزيد المقرئ، به.

أخرجه ابن حبان في " مقدمة المجروحين " (1/ 82)، وابن الجوزي في " الموضوعات " (1/ 20) بسند صحيح إلى ابن لهيعة.

وقد توبع عبدالله بن يزيد المقرئ، تابعه عبدالرحمن بن مهدي، عن ابن لهيعة، به.

أخرجه أبونعيم في " الحلية " (9/ 39)، ومن طريقه ابن حجر في " مقدمة اللسان " (1/ 8، 9) بسند صحيح إلى ابن لهيعة.

قال ابن حجر: " حدث بها عبدالرحمن بن مهدي الإمام، عن ابن لهيعة، فهي من قديم حديثه الصحيح ".

وخالفهما المعافى بن عمران فرواه عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، قال: حدثني المنذر بن الجهم – وكان قد دخل في الأهواء، ثم نزع بعد ذلك وأنكره، وكان لما نزع–، يقول: " أحذركم أصحاب الأهواء فإنا والله كنا نحتسب الخير في أن نروى لكم ما يضلكم ".

فجعله من قول أبي الأسود، وصرح بأن الرجل هو المنذر.

أخرجه الخطيب في " الكفاية " (1/ 386) بسند صحيح إلى ابن لهيعة.

والمعافى ثقة، وتابعه عبدالله بن يوسف التنيسي، عن ابن لهيعة، به.

أخرجه ابن عدي في " مقدمة الكامل " (1/ 151)، ومن طريقه السمعاني في " أدب الإملاء والاستملاء " (ص 56)، عن محمد بن أحمد بن حماد، ثنا محمد بن خلف، ثنا عبدالله بن يوسف، به.

وإسناده ضعيف؛ محمد بن خلف هو المرزبان، قال الدارقطني: " إخباري لين".

ومحمد بن أحمد بن حماد، هو الدولابي، قال الدارقطني: " تلموا فيه، ما تبين من أمره إلا خير ".

وخالفهم عمران بن هارون الرملي فرواه عن ابن لهيعة، حدثني أبوالأسود، عن منذر بن جهم الأسلمي، قال: كان رجل منا في الأهواء زمانا ثم صار بعد إلى أمر الجماعة، فقال لنا: " أنشدكم الله أن تسمعوا من أصحاب الأهواء فإنا والله كنا نروي لكم الباطل ونحتسب الخير في ضلالتكم ".

فجعله من قول المنذر.

أخرجه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (2/ 32)، وإسناده ضعيف؛ عمران بن هارون، وإن كان صدقه أبوزرعة، ولكن لينه ابن يونس، وقال ابن حبان في " الثقات ": " يخطئ ويخالف ".

فالذي يظهر أن الاضطراب من ابن لهيعة نفسه، فإنه قد اختلط، ولكن رواية عبدالرحمن بن مهدي، وعبدالله بن يزيد المقرئ عنه كانت قبل الاختلاط فهي صحيحة، فهذا الإثر حسن دون قول: " من الخوارج ".

فتبين مما سبق أن قول أبي داود يبقى على إطلاقه، وهذا ما يقتضيه الأثر والنظر.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله صحبه، وسلم.

وكتب / أبوالمنهال محمد بن عبده آل محمد الأبيضي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير