[حكم الاحتفال بـ " الإسراء والمعراج "]
ـ[أبو المنهال الأبيضي]ــــــــ[12 - 05 - 04, 09:55 ص]ـ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، أجمعين.
أما بعد،،،
فقد قال الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "، متفق عليه من حديث عائشة.
وإن مما أحدث بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، وهذه الليلة لم يحتفل بها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ولا يُقال أن الأعياد من العادات وأن الأصل فيها الإباحة، بل هي من العبادات والأصل فيها التوقيف.
فعن أنس، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: " ما هذان اليومان؟ "، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر "، أخرجه أحمد (3/ 103 و 235 و 250)، وأبوداود (1134)، والنسائي (3 179)، بسند صحيح.
وقال صلى الله عليه وسلم: " إن لكل قوم عيداً "، متفق عليه من حديث عائشة، فهذان دليلان على أن الأعياد توقيفية.
وإن من نافلة القول أن نبين ما هو العيد فإن هذا الاحتفال جعل هذا اليوم عيداً، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " اقتضاء الصراط المستقيم " (1/ 496): " اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد عائد، إما بعود السنة، أو بعود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك، فالعيد يجمع أموراً، منها: يوم عائد كيوم الفطر ويوم الجمعة، ومنها: اجتماع فيه، ومنها: أعمال تتبع ذلك: من العبادات والعادات، وقد يختص العيد بمكان بعينه، وقد يكون مطلقاً، وكل هذه الأمور قد تسمى عيداً ". أ هـ.
وهؤلاء الذين يحتفلون بهذه الليلة يدعون أنها ليلة سبعة وعشرين من شهر رجب، وهذا ليس عليه دليل لا من الكتاب، ولا من السنة، ولا من آثار الصحابة، ولا التابعين.
وإنما تكلم في تحديده بعض العلماء المتأخرين بلا دليل، فاضطربت أقوالهم اضطراباً شديداً، وأقوالهم ذكرها ابن حجر في " الفتح " (7/ 242، 243)، وغيره.
ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في " زاد المعاد " (1/ 57) –: " لم يقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة، ليس فيها ما يُقطع به ".
وقال ابن رجب في " لطائف المعارف " (ص 168): " لم يصح من ذلك شيء "، وقال: " وروي بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم كان في سابع وعشرين من رجب، وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره ".
وقال أبوشامة في " الباعث على إنكار البدع والحوداث " (ص 171): " وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب، وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب ".
وقال الشيخ ابن باز في " التحذير من البدع " (ص 9): " وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث ".
قلت: ولو فرضنا أنها ليلة سبعة وعشرين، فلا يجوز لنا الاحتفال أيضاً؛ لأن الأصل في الأعياد التوقيف كما سبق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في " زاد المعاد " (1/ 57) –: " ولا شُرع للمسلمين تخصيص الليلة التي يظن أنها ليلة الإسراء بقيام ولا بغيره ".
وذكر ابن النحاس في " تنبيه الغافلين " (ص 379)، وابن الحاج في " المدخل " (1/ 294)، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في " فتاواه " (3/ 97)، والشيخ ابن باز في " التحذير من البدع " أنها من البدع.
ولو كان تخصيص هذه الليلة بعبادة أمراً مشروعاً؛ لفعله النبي صلى الله عليه وسلم، أو الصحابة، أو التابعين، فنقول: لو كان خيراً لسبقونا إليه.
وأخيراً فلنحذر من الابتداع؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنه من يعش بعدي فسيجد اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار "، أخرجه أحمد (4/ 126 و 127)، وأبوداود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (43 و 44)، بسند صحيح.
وقال حذيفة اتبعوا سبلنا، ولئن اتبعتمونا؛ لقد سبقتم سبقاً بعيداً، ولئن خالفتمونا؛ لقد ضللتم ضلالاً بعيداً "، أخرجه البخاري، وعبدالله بن أحمد في " السنة "، وابن وضاح في " البدع والنهي عنها " , وغيرهما.
وقال ابن عباس: " عليكم بالاستقامة والأثر، وإياكم والتبدع "، الأثر حسن لغيره، أخرجه الدارمي، وابن وضاح في " البدع والنهي عنها " , وابن نصر في " السنة ".
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العلمين.
وكتب / أبوالمنهال محمد بن عبده آل محمد.
صبيحة الأربعاء 22 ربيع الأول 1425 هـ
الموافق اـ 12 مايو 2004 م
¥