تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويمكن أن يقال:إن حديث عائشة عام، وحديث أم سلمة خاص، والخاص مقدم على العام (5).

وأما القول الثالث فظاهر الضعف، إذ هو مبني على قياس في مقابلة النص، وهذا القياس فاسد الاعتبار.

قال ابن قدامة في "المغني":

"ولنا الحديث المذكور وظاهره التحريم وهذا يرد القياس وحديثهم عام وهذا خاص يجب تقديمه وتنزيل العام على ما عدا ما تناوله الحديث الخاص، ولأنه يجب حمل حديثهم على غير ما تناوله له محل النزاع لوجوه منها:

أن أقل أحوال النهي الكراهة،والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليفعل ما نهى عنه وإن كان مكروها قال الله تعالى: اخباراً عن شعيب عليه السلام: {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه}.

ومنها أن عائشة إنما تعلم ظاهراً ما يباشرها، به من المباشرة أو ما يفعله دائماً كاللباس والطيب، أما قص الشعر وتقليم الأظفار مما لا يفعله في الأيام إلا مرة فالظاهر أنها لا ترده بخبرها، فإن احتمل إرادته فهو احتمال بعيد وما كان هكذا فاحتمال تخصيصه قريب فيكفي فيه أدنى دليل وخبرنا دليل قوي فكان أولى بالتخصيص.

ولأن عائشة تخبر عن فعله وأم سلمة تخبر عن قوله والقول يقدم على الفعل لاحتمال أن يكون فعله خاصاً له.

إذا ثبت هذا فإنه يترك قطع الشعر وتقليم الأظفار، فإن فعل استغفر الله ولا فدية عليه إجماعاً سواء فعله عمداً أو ناسياً " اهـ.

قلت: وبذلك يكون القول الأول – وهو التحريم – هو القول الراجح لا سيما وصيغة النهي مؤكدة بالنون في رواية مسلم وغيرها كما تقدم بيانه.

وهاهنا تتمات يجدر بيانها،وهي كما يلي:

1) في بيان الحكمة من النهي المذكور في الحديث:

قال العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ:

"والحكمة في هذا النهي ـ والله أعلم ـ أنه لما كان المضحي مشاركا للمحرم في بعض أعمال النسك،وهوالتقرب إلى الله بذبح القربان كان من الحكمة أن يعطى بعض أحكامه،وقد قال الله في المحرمين: {ولاتحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله}.

وقيل: الحكمة أن يبقى المضحي كامل الأجزاء للعتق من النار، ولعل قائل ذلك استند إلى ماورد:"أن الله يعتق من النار بكل عضو من الأضحية عضواً من المضحي لكن هذا الحديث قال ابن الصلاح: غيرمعروف ولم نجد له سندا يثبت به (6)،ثم هو منقوض بما في الصحيحين وغيرهما (7) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أيما رجل مسلم أعتق امرءاً مسلماً استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار " ولم ينه من أراد العتق عن أخذ شيء من شعره وظفره وبشرته حتى يعتق.

وقيل: الحكمة التشبه بالمحرم.وفيه نظر، فإن المضحي لايحرم عليه الطيب والنكاح والصيد واللباس المحرم على المحرم فهو مخالف للمحرم في أكثر الأحكام.

ثم رأيت ابن القيم أشار إلى أن الحكمة: توفير الشعر والظفر ليأخذه مع الأضحية فيكون ذلك من تمام الأضحية عند الله وكمال التعبد بها. والله تعالى أعلم " اهـ (8).

2) ظاهر الحديث وكلام أهل العلم أن نهي المضحي عن أخذ الشعر والظفر والبشرة يشمل ما إذا نوى الأضحية عن نفسه أو تبرع بها عن غيره وهو كذلك،وأما من ضحى عن غيره بوكالة أو وصية فلا يشمله النهي بلا ريب (9).

3) من يضحى عنه؛ظاهر الحديث وكلام كثير من أهل العلم أن النهي لايشمله،فيجوز له الأخذ من شعره وظفره وبشرته،ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي عن آل محمد ولم ينقل أنه كان ينهاهم عن ذلك،والله أعلم (10).

4) يتوهم بعض العامة أن من أراد الأضحية ثم أخذ من شعره أو أظفره أوبشرته شيئاً في أيام العشر لم تقبل أضحيته،وهذا خطأ بيّن فلا علاقة بين قبول الأضحية والأخذ مما ذكر، لكن من أخذ بدون عذر فقد خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإمساك ووقع فيما نهى عنه من الأخذ فعليه أن يستغفر الله ويتوب ولايعود وأما أضحيته فلايمنع قبولها أخذه من ذلك.

5) من احتاج إلى أخذالشعر والظفر والبشرة فأخذها فلا حرج عليه،مثل أن يكون به جرح فيحتاج إلى قص الشعر عنه،أو ينكسر ظفره فتؤذيه فيقص ما يتأذى به،أو يتدلى قشرة من جلده فتؤذيه فيقصها فلا حرج عليه في ذلك كله (11).

وفي الختام أسأل الله التوفيق والسداد،وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وكتبه:

راجي عفو ربه العلي

أبو ياسرخالدبن قاسم الردادي

.................................................. ..........

(1) "المغني مع الشرح الكبير" (7/ 96)،" شرح الزركشي على مختصر الخرقي" (7/ 8 - 9)،"شرح منتهى الإرادات" (2/ 623)،"كشاف القناع" (3/ 23).

(2) "كشاف القناع" (3/ 23).

(3) "المجموع شرح المهذب" للنووي (8/ 399)،"المغني مع الشرح الكبير" (7/ 96).

(4) "المجموع شرح المهذب" للنووي (8/ 399)،"المغني مع الشرح الكبير" (7/ 96).

(5) "المغني مع الشرح الكبير" (7/ 96)،"شرح منتهى الإرادات" (2/ 623).

(6) انظر:"التلخيص الحبير"لابن حجر (4/ 138).

(7) أخرجه البخاري (2517)،ومسلم (1509).

(8) "رسالة في أحكام الأضحية" لابن عثيمين (ص77)،وانظر "فيض القدير"للمناوي (1/ 339).

(9) "رسالة في أحكام الأضحية" (ص78).

(10) المصدر السابق (ص78).

(11) السابق (ص79).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير