تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد خرج لهم البعض وجهًا يصح به ما أطلقوه من جهة اللغة .. قال ابن سيده في (المحكم): " واستعمل أبو إسحاق لفظة (المعلول) في المتقارب من المعروض، والمتكلمون يستخدمون لفظة (المعلول) في مثل هذا كثيرًا، فلست منها على ثقة ولا ثلَج، لأن المعروف إنما هو (أعله الله فهو معلّ)، اللهم إلا أن يكون على ما ذهب إليه سيبويه، من قولهم: (مجنون)، و (مسلول) من أنهما جاءا على جننته وسللته ولم يستعملا في الكلام واستغنى عنهما بأفعلت، وإذا قالوا: جُنَّ وسُلَّ فإنما يقولون: جُعل فيه الجنون والسِّل، كما قالوا: حُزن وفُسل". اهـ.

والعلة في اصطلاحهم: تطلق على كل ما فيه علة سواء كانت خفية أو ظاهرة، قادحةً أو غير قادحة، فكل ما فيه علة يصح أن يقال: إن فيه علة، وهذا حديث معلول.

وكل اختلاف في الحديث يمكن أن يسمى علة، سواء كان هذا الاختلاف يؤدي إلى رد الحديث أو عدم رده.

فالمعنى العام إذًا: كل ما حصل فيه قدح في صحة الحديث، سواءً ضعِّف به الحديث أم لا.

والعلماء النقاد يعبرون بذلك، فيطلقون العلة على العلة الخفية، والعلة الظاهرة، وعلى العلة القادحة، وعلى العلة غير القادحة.

فلذلك سنسلك هذا المسلك، وذلك ببيان أوجه الاختلاف سندًا ومتنًا، حتى وإن لم يكن للعلة أثر على صحة الحديث وضعفه.

فإذا أطلقنا العلة فالمراد المعنى الخاص فإنما نقصد بها العلة الخفية التي تقدح في صحة الحديث.

وعليه فالمعنى الخاص للعلة: ما لا يدخلها ضرب الجرح والتعديل والكلام عن الرواة بالقبول أو الرد من ناحية الضبط أو من ناحية العدالة.

قال الحاكم في (المعرفة): " إنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل، فإنَّ حديث المجروح ساقط واهٍ.

وعلة الحديث يكثر في أحاديث الثقات، أن يحدثوا بحديث له علة، فيخفى عليهم علمه، فيصير الحديث معلولاً، والحجة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير ". اهـ.

والمعنى العام هو كل ما كان فيه علة، وقلما نستخدمها بهذا المعنى.

وسنتناول في حديثنا النوعين، وإن كان مقصودنا الأسمى النوع الأول.

أجناس العلة:

العلة لها صور بحسب ورودها، وقد قسمها أبوعبدالله الحاكم في كتابه (معرفة علوم الحديث) إلى عشرة أقسام .. وذكرها البلقيني في (محاسن الاصطلاح)، والسيوطي في (تدريب الراوي)، وتتلخص فيما يلي:

أحدها: أن يكون السند ظاهره الصحة، وفيه من لا يعرف بالسماع.

الثاني: أن يكون الحديث مرسلاً من وجه رواه الثقات الحفاظ، ويسند من وجه ظاهره الصحة.

الثالث: أن يكون الحديث محفوظاً عن صحابي، ويروى عن غيره لاختلاف بلاد رواته كرواية المدنيين عن الكوفيين.

الرابع: أن يكون محفوظاً عن صحابي فيروي عن تابعي، يقع الوهم بالتصريح بما يقتضي صحته، بل ولا يكون معروفا من جهته.

الخامس: أن يكون روى بالعنعنة وسقط منه رجل دل عليه طريق أخرى محفوظة.

السادس: أن يختلف على رجل بالإسناد وغيره، ويكون المحفوظ عنه ما قابل الإسناد.

السابع: الاختلاف على رجل في تسمية شيخه أو تجهيله.

الثامن: أن يكون الراوي عن شخص أدركه وسمع منه، لكنه لم يسمع منه أحاديث معينة، فإذا رواها عنه بلا واسطة فعلتها أنه لم يسمعها منه.

التاسع: أن تكون طريقه معروفة يروي أحد رجالها حديثاً من غير تلك الطريق، فيقع من رواه من تلك الطريق بناء على الجادة في الوهم.

العاشر: أن يروي الحديث مرفوعاً من وجه وموقوفاً من وجه.

قال الحاكم: وبقيت أجناس لم نذكرها، وإنما جعلنا هذه مثالا لأحاديث كثيرة.

وخلاصة هذا أن العلة ترد في الإسناد وقد ترد في المتن، فإذا وقعت في الإسناد فقد تقدح في المتن وقد لا تقدح، وورودها في المتن كذلك.

أوجه الكشف عن العلل:

1 ـ جمع روايات الحديث الواحد، والموازنة بينها سندًا ومتنًا، فيظهر من الاتفاق والاختلاف مواطن العلل.

قال الخطيبُ البغداديُّ في (الجامع لأخلاق الراوي): "والسبيلُ إلى معرفةِ علة الحديث أنْ يجمع بين طرقه، وينظر في اختلاف رواته، ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط، كما أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إبراهيم الأشناني بنيسابور قال: سمعتُ أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي، يقول: سمعتُ عثمان بن سعيد الدارمي، يقول: سمعتُ نعيم بن حماد، يقول: سمعت ابن المبارك، يقول: إذا أردتَ أن يصحَّ لكَ الحديث فاضرب بعضه ببعض".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير