قال البخارى ((الأدب المفرد)): حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ: قَالَ النَّبىُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ!))، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ((خِيَارُكُمِ الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللهُ تَعَالَى، أَلا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ!))، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ((الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ الْبُرَآءَ الْعَنَتَ)).
والثلاثة الأنواع إنما عدوا فى شرار الناس لعظم فسادهم، واستفحال شرهم. وشر الثلاثة: الْبَاغُونَ للبُرَآءَ الْعَنَتَ.
والباغون جمع باغٍ، وهو الملتمس للأمر الحريص عليه. والبرآء جمع برئ، وهو السالم من العيب والنقيصة والزلل. والعنت هو المشقة والفساد والهلاك والغلط. والتماس الزلات، وتقصى العورات لا يصدر غالباً إلا عن حسد وحقد وضغينة، وهو من البهتان الذى عظَّم الله تعالى شأنه، فقال عن مثله ((إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ الله عَظِيمٌ. وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ))، وحذَّر من تكرار فعله ((يَعِظُكُمُ اللهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)).
قال الإمام أحمد: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنَ عَيَّاشٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ؛ لا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ)).
وصدور ذلك من عوام الناس من القبائح المرذولة، فكيف إذا صدر عمن ينسب إلى علم، ويوصف بإمامة!!، مع التذكير بأن الله عزَّ وجلَّ إنما خصَّ بالإمامة من اجتمع له الأمران: الصبر واليقين، ومبناهما على: العدل والإنصاف ((وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)). فمهما قلَّ نصيب الرجل من العدل والإنصاف، كثرت وقيعته فى أعراض الناس، واتهمهم بالظنون الكاذبة.
أخرج أبو بكر البيهقى فى ((الزهد الكبير)) بإسناد صحيح عن أسد بن موسى أنبأ جرير بن حازم قال: قيل للحسن البصري: إن الناس يأتون مجلسك ليأخذوا سقط كلامك، فيجدون الوقيعة فيك!، فقال: ((هوِّن عليك، فإني أطمعت نفسي في جوار الله فطمعت، وأطمعت نفسي في الجنان فطمعت، وأطمعت نفسي في الحور العين فطمعت، وأطمعت نفسي في السلامة من الناس، فلم أجد إلى ذلك سبيلا!!، اني لما رأيت الناس لا يرضون عن خالقهم، علمت أنهم لا يرضون عن مخلوق مثلهم)).
وعن دعلج بن أحمد ثنا أحمد بن عبد الله بن سيف قال سمعت يونس بن عبد الأعلى يحكي عن الشافعي: أن رجلين كانا يتعاتبان والشافعي يسمع كلامهما، فقال لأحدهما: ((إنك لا تقدر ترضي الناس كلهم، فأصلح ما بينك وبين الله عز وجل، فإذا أصلحت ما بينك وبين الله عز وجل، فلا تبال بالناس)).
وقال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية فى ((منهاج السنة النبوية)): ((الكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل، لا بجهل وظلم، كحال أهل البدع)).
وقال الحافظ الذهبى فى ثنايا ترجمة الإمام الناسك الزاهد الورع الفضيل بن عياض من ((سير أعلام النبلاء)): ((قلت: إذا كان مثل كبراء السابقين قد تكلم فيهم الروافض والخوارج، ومثل الفضيل يتكلم فيه، فمن الذي يسلم من ألسنة الناس، لكن إذا ثبتت إمامة الرجل وفضله، لم يضره ما قيل فيه، وإنما الكلام في العلماء مفتقر إلى وزن بالعدل والورع)).
والأصل في هذا قوله تعالى ((وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ))، وقوله عزَّ وجلَّ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ))
ـ[أبوالأشبال السكندرى]ــــــــ[30 - 05 - 04, 10:07 م]ـ
الشيخ الفاضل الألفى
ليت كلماتك تجد آذانا صاغية .......
¥