بها كما بينه شيخ الإسلام في كتبه.
و كذلك رواه ابن عساكر (2/ 310 / 2) عن شيخ من أهل المدينة من أصحاب ابن
مسعود من قوله موقوفا عليه و فيه مجاهيل.
و جملة القول: أن الحديث لا أصل له عنه صلى الله عليه وسلم فلا جرم أن حكم
عليه بالبطلان الحافظان الجليلان الذهبي و العسقلاني كما تقدم النقل عنهما.
و مما يدل على بطلانه أن الحديث صريح في أن آدم عليه السلام عرف النبي صلى الله
عليه وسلم عقب خلقه , و كان ذلك في الجنة , و قبل هبوطه إلى الأرض , و قد جاء
في حديث إسناده خير من هذا على ضعفه أنه لم يعرفه إلا بعد نزوله إلى الهند
و سماعه باسمه في الأذان! انظر الحديث (403).
و مع هذا كله فقد جازف الشيخ الكوثري و صححه مع اعترافه بضعف عبد الرحمن بن زيد
لكنه استدرك (ص 391) فقال: إلا أنه لم يتهم بالكذب , بل بالوهم , و مثله
ينتقى بعض حديثه.
قلت: لقد بلغ به الوهم إلى أنه روى أحاديث موضوعة كما تقدم عن الحاكم
و أبي نعيم , فمثله لا يصلح أن ينتقى من حديثه حتى عند الكوثري لولا العصبية
و الهوي , فاسمع إن شئت ما قاله (ص 42) في صدد حكمه بالوضع على حديث " إياكم
و خضراء الدمن ... " و قد تقدم برقم (14).
و إنما مدار الحكم على الخبر بالوضع أو الضعف الشديد من حيث الصناعة الحديثية
هو انفراد الكذاب أو المتهم بالكذب أو الفاحش الخطأ به.
و قد علمت مما سبق أن مدار الحديث على عبد الرحمن بن زيد الفاحش الخطأ , فيكون
حديثه ضعيفا جدا على أقل الأحوال عنده لو أنصف!
و من عجيب أمره أنه يقول عقب عبارته السابقة (ص 391): و هذا هو الذي فعله
الحاكم حيث رأى أن الخبر مما قبله مالك فيما روى ابن حميد عنه حيث قال لأبي
جعفر المنصور: و هو وسيلتك و وسيلة أبيك آدم عليه السلام.
فمن أين له أن الحاكم رأى أن الخبر مما قبله مالك ?! فهل يلزم من كون الرجل
كان حافظا أنه كان يحفظ كل شيء عن أي إمام , هذا ما لا يقوله إنسان ?! فمثل
هذا لابد فيه من نقل يصرح بأن الحاكم رأى ... و إلا فمن ادعى ذلك فقد قفى ما
ليس له به علم.
ثم هب أن مالكا قبل الخبر , فهل ذلك يلزم غيره أن يقبله و هو لم يذكر إسناده
المتصل منه إلى النبي صلى الله عليه وسلم , أفلا يجوز أن يكون ذلك من
الإسرائيليات التي تساهل العلماء في روايتها عن بعض مسلمة أهل الكتاب مثل كعب
الأحبار , فقد كان يروي عنه بعضها ابن عمر و ابن عباس و أبو هريرة باعتراف
الكوثري نفسه (ص 34 ـ " مقالة كعب الأحبار و الإسرائيليات ") فإذا جاز هذا
لهؤلاء , أفلا يجوز ذلك لمالك ? بلى ثم بلى.
فثبت أن قول مالك المذكور لا يجوز أن يكون شاهدا مقويا للحديث المروى عن النبي
صلى الله عليه وسلم.
و هذا كله يقال لو ثبت ذلك عن مالك , كيف و دون ثبوته خرط القتاد! فإنه يرويه
عنه ابن حميد و هو محمد بن حميد الرازي في الراجح عند الكوثري ثم اعتمد هو على
توثيق ابن معين إياه و ثناء أحمد و الذهلي عليه , و تغافل عن تضعيف جمهور
الأئمة له , بل و عن تكذيب كثيرين منهم إياه , مثل أبي حاتم و النسائي
و أبي زرعة و صرح هذا أنه كان يتعمد الكذب , و مثل ابن خراش فقد حلف بالله أنه
كان يكذب , و قال صالح بن محمد الأسدي: كل شيء كان يحدثنا ابن حميد كنا نتهمه
فيه , و قال في موضع آخر: كانت أحاديثه تزيد , و ما رأيت أحدا أجرأ على الله
منه , و قال أيضا: ما رأيت أحدا أحذق بالكذب من رجلين سليمان الشاذكوني و محمد
ابن حميد , كان يحفظ حديثه كله.
و قال أبو علي النيسابوري: قلت لابن خزيمة: لو حدث الأستاذ عن محمد بن حميد
فإن أحمد قد أحسن الثناء عليه ? فقال: إنه لم يعرفه , و لو عرفه كما عرفناه ما
أثنى عليه أصلا.
فهذه النصوص تدل على أن الرجل كان مع حفظه كذابا , و الكذب أقوى أسباب الجرح
و أبينها , فكيف ساغ للشيخ تقديم التعديل على الجرح المفسر مع أنه خلاف معتقده
?!
علم ذلك عند من يعرف مبلغ تعصبه على أنصار السنة و أهل الحديث , و شدة عداوته
إياهم سامحه الله و عفا عنه.
فتبين مما ذكرناه أن هذه القصة المروية عن مالك قصة باطلة موضوعة , و قد حقق
القول في ذلك على طريقة أخرى شيخ الإسلام في " القاعدة الجليلة " (1/ 227 ـ
ضمن مجموع الفتاوى) و ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " فليراجعهما من أراد
¥