الناس أشد، قال: فوافقه فوافقه فوضع رأسه ساعة تم رفعه إليّ فقال: إن الله عز وجل يحفظ دينه، وإني لئن لا استخلف فإن رسول الله -! - لم يستخلف، وإن استخلف فإن أبا بكر قد استحلف. قال: فوالله ما هو إلا أن ذكر رسول الله -! - وأبا بكر فعلمت أنه لم يكن ليعدل رسول الله -! - أحدا، وأنه غير مستخلف " (26).
وروى أحمد بسند صحيح عن الإمام علي - رضي الله عنه، أنه قال: " لتخضبن هذه من هذا، فما ينتظر بي الأشقى؟ قالوا: يا أمير المؤمنين فأخبرنا به نبير عترته! قال: إذاً تاالله تقتلون بي غير قاتلي، قالوا: فاستخلف علينا، قال: لا ولكن أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله -! قالوا: فما تقول لربك إذا أتيته؟ قال: أقول: " اللهم تركتني فيهم ما بدا لك، ثم قبضتني إليك وأنت فيهم، فإن شئت أصلحتهم وإن شئت أفسدتهم ".
وفي رواية بسند آخر أن الإمام قال: " والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه، من هذه، قال الناس: فأعلمنا من هو؟ والله لنبيرن عترته! قال: أنشدكم بالله أن يقتل غير قاتلي، قالوا: إن كنت قد علمت ذلك استخلف إذاً قال: لا، ولكن أكلكم إلى ما وكلكم إليه رسول الله – (27).
(26) انظر الوضع السابق من صحيح مسلم. وروى أبو داود بسنده عن ابن عمر أيضا قال: عمر: إني إن لا استخلف فإن رسول الله - - نم يستخلف، وإن استخلف فإن أبا بكر قد استخلف. قال: فوالله ما هو إلا أن ذكر رسول الله- - وأبا بكر فعلمت أنه لا يعدل رسول الله -- أحدا، وأنه غير مستخلف. (انظر سنن أبي داود - كتاب الخراج والفيء والإمارة - باب في الخليقة يستخلف).
(27) انظر المسند ج 2 الروايتين 1078 و1339، وبالحاشية بيان الشيخ شاكر لصحة الإسناد.
فهذه الروايات تدل على أن عمر وعليا - رضي الله عنهما - لم يستخلفا أحدا تأسيا برسول الله -، أي أن الرسول -- لم يعين أحدا لخلافته، ويؤيد هذا أيضا ما أخرجه أحمد بسند صحيح عن قيس بن عباد قال:" كنا مع علي فكان إذا شهدا مشهدا، أو أشرف على أكمة أو هبط واديا قال: سبحان الله! صدق الله ورسوله، فقلت لرجل من بني يشكر: انطلق بنا إلى أمير المؤمنين حنى نسأله عن قوله صدق الله ورسوله، قال: فانطلقنا إليه: فقلنا: يا أمير المؤمنين، رأيناك إذا شهدت مشهدا، أو هبطت واديا، أو أشرفت على أكمة، قلت: صدق الله ورسوله، فهل عهد رسول الله إليك شيئا في ذلك؟ قال: فأعرض عنا، وألححنا عليه، فلما رأى ذلك قال: والله ما عهد إلي رسول الله -- عهدا إلا شيئا عهده إلى الناس، ولكن الناس وقعوا على عثمان فقتلوا، فكان غيري فيه أسوأ حالا وفعلا منّي، ثم إني رأيت أني أحقهم بهذا الأمر فوثبت عليه، فالله أعلم أصبنا أم أخطأنا (29).
وكذلك يؤيد ما سبق ما رواه الشيخان وأحمد بأسانيد صحيحة أن الرسول - - مات ولم يوص، وقد روى هذا عن ابن عباس، وعبد الله بن أبي أوفى، والسيدة عائشة (30).
ثانيا: روى البخاري بسنده عن السيدة عائشة - رضى الله عنها أن رسول الله - صلوات الله عليه - قال: " لقد هممت أن أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد، أن يقول القاتلون أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون (31).
(29) انظر الرواية وصحة إسنادها بالمسند ج2 رقم 1206.
(30) راجع صحيح البخاري – كتاب مرض النبي - -ووفاته. وكتاب التفسير: باب من قال لم يترك النبي - - إلا ما بين الدفتين. وباب الوصاة بكتاب الله عز وجل – وراجع كذلك صحيح مسلم- كتاب الوصية: باب ترك الوصية.
(31) البخاري- كتاب الأحكام- باب الاستخلاف.
وروى مسلم عنها أنها قالت: قال لي رسون الله -- في مرضه:" أدعى لي أبي بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر (32).
وأخرج أحمد في مسنده هذا الحديث الشريف بسند صحيح كمسند مسلم،وبسندين آخرين (33).
وهذا الحديث الشريف يدل على أن الخلافة لو كانت بالنص لكانت لأبي بكر الصديق –، فهو الأولى بها، وتم ما قاله من لا ينطق عن الهوى، فقد أبي الله سبحانه والمؤمنون إلا أبا بكر.
(32) مسلم: كتاب الفضائل – باب من فضائل أبي بكر الصديق.
(33) انظر المسند1/ 47،106،144.
وذكر مدرس الفلسفة الدكتور أحمد محمود صبحي الرواية الأخيرة لهذا الحديث الشريف، ولم يذكر مصادره بل اكتفى بنسبته لبعض أهل السنة. ثم قال: " ولا شك أن الوضع ظاهر في هذا الحديث، وأنه أريد به معارضة حديث الشيعة في أمر كتاب النبي الذي بنسب إلى عمر أنه منعه، ولو صح كتاب النبي إلى أبي بكر لكان نصا جليا لأبي بكر، وهو ما لم يقل به جمهور المسلمين ".
والمؤلف عند أهل السنة، مع أن رواياته لم تصح منها واحدة كما بينا من قبل (انظر كتابه: نظرية الإمامة ص 235 - 236).
الخاتمة
هذه هي روايات حديث الثقلين التي جمعتها من كتب السنة، وجعلت كل متن مع سنده، وذكرت من أخرجه، وبذا أمكن أن نميز الصحيح من غيره.
والروايات التي صحت سندا، قبلت متنا، ووضع فقهها، ولا خلاف حول الأخذ به.
والروايات التي بينت ضعف سندها، وصححها آخرون، وجعلها غيرهم ضمن الأحاديث الموضوعة، هذه الروايات وجدنا اختلافا حول فهم دلالتها. ولعلّي بينت ما يمكن أخذه من فقه هذه الروايات.
فإن أكن أصبت فبفضل الله جلت قدرته، وبعونه وحده سبحانه، وإن أكن أخطأت فقد بذلت أقصى ما استطعت للوصول إلى الحق، ورحمة وربك وسعت كل شيء.
ومما أمرنا عز وجل أن نتلوه ما جاء ختاما لسورة البقرة:
((لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين)).
¥