تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد ذكر العلماء أوجه جمع للأحاديث القائلة بكثرة الانصراف عن اليمين والإكثار عن اليسار فمنها جمع النووي رحمه الله تعالى بينهما بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل تارة بهذا وتارة بهذا فأخبر كل ما اعتقده أنه الأكثر وجمع ابن حجر بوجه آخر وهو أن يحمل حديث ابن مسعود على حالة الصلاة في المسجد لأن الحجرة النبوية كانت من جهة يساره ويحمل حديث أنس على ما سوى ذلك كحال السفر ونحوه وبالجملة الانصراف في كلا الجهتين ثابت فإلزام اليمين إلزام بما لم يلزمه الشرع نعم الجمهور استحبوا الانصراف إلى اليمين لكونه أفضل ().

الحاصل هو ما نبه عليه العلماء ألا يداوم على شأن واحد من كلا الحالين مع ثبوت كلاهما للنبي صلى الله عليه وسلم بل فيه رد على من ألزم الانصراف عن اليمين مع ثبوت الانصراف في كلا الجانبين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه أن من أصر على مندوب والتزمه التزاما هجر ما عداه يأثم وقد ثبت الانصراف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جانب اليمين واليسار من حديث ابن مسعود ().

ثانيا: إنك إن تأملت أخي المسلم حال العامة لوجدتهم إذا رأوا عبادة ما مستحبة مداوم عليها لاسيما إن كان حاصلا من أهل الصلاح ومن يتوسم فيهم العلم فإذا ما رأوا أحدا تركها عابوا عليه اعتقادا منهم وجوب هذه العبادة وقد حصل هذا مع والدي حين صعد المنبر مرة منذ زمن ولم يصلي تحية المسجد في منطقة حشدت بالعوام فقال له أحدهم أنزلوه من على المنبر فإنه كافر حيث لم يصلي تحية المسجد فانظر رعاك الله إلى هذا الأنموذج من الناس واحكم بنفسك ولا تقل هذا من فرد واحد بل حدث مع ناس كثر وكم مرة سمعنا بالشبيه من ذلك من حرص الناس على أمر ظنا منهم أنه واجب ومن هنا أصل العلماء قاعدة حتى تقضي على هذا الأمر وإليك كلام الشاطبي رحمه الله تعالى " المندوب من حقيقة استقراره مندوبا أن لا يسوى بينه وبين الواجب لا في القول ولا في الفعل كما لا يسوى بينهما فى الاعتقاد فإن سوى بينهما في القول أو الفعل فعلى وجه لا يخل بالاعتقاد وبيان ذلك بأمور:

أحدها أن التسوية فى الاعتقاد باطلة باتفاق بمعنى أن يعتقد فيما ليس بواجب أنه واجب والقول أو الفعل إذا كان ذريعة إلى مطلق التسوية وجب أن يفرق بينهما ولا يمكن ذلك إلا بالبيان القولي والفعل المقصود به التفرقة وهو ترك الالتزام فى المندوب الذي هو من خاصة كونه مندوبا

والثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث هاديا ومبينا للناس ما نزل إليهم وقد كان من شأنه ذلك فى مسائل كثيرة كنهيه عن إفراد يوم الجمعة بصيام أو ليلة بقيام وقوله لا يجعل أحدكم للشيطان حظا فى صلاته بينه حديث ابن عمر قال واسع بن حبان انصرفت من قبل شقي الأيسر فقال لي عبد الله ابن عمر ما منعك أن تنصرف عن يمينك قلت رأيت فانصرفت إليك قال أصبت إن قائلا يقول انصرف عن يمينك وأنا أقول انصرف كيف شئت عن يمينك وعن يسارك وفى بعض الأحاديث بعد ما قرر حكما غير واجب

من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج وقال الأعرابي هل على غيرهن قال لا إلا أن تطوع وقال لما سئل عن تقديم بعض أفعال الحج على بعض مما ليس تأخيره بواجب لا حرج قال الراوي فما سئل يومئذ عن شيء قدم أو أخر إلا قال

افعل ولا حرج مع أن تقديم بعض الأفعال على بعض مطلوب لكن لا على الوجوب ونهى عليه الصلاة والسلام عن أن يتقدم رمضان بيوم أو يومين وحرم صيام يوم العيد ونهى عن التبتل مع قوله تعالى وتبتل إليه تبتيلا ونهى عن الوصال وقال

خذوا من العمل ما تطيقون مع أن الاستكثار من الحسنات خير إلى غير ذلك من الأمور التى بينها بقوله وفعله وإقراره مما خلافه مطلوب ولكن تركه وبينه خوفا أن يصير من قبيل آخر فى الاعتقاد.

ثم بين رحمه الله مسلكا آخر لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو خشية الافتراض وليس داخلا في بحثنا نصا وإن دخل من ناحية الحكمة في الدعوة والتشريع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير