رواه أحمد وأبو داود (4/ 52) وابن ماجه (2/ 1191) والزيادة الأخيرة منه.
والريطة: ملاءة ليست بفلقين، كلها نسج واحد، وقد تكون بيضاء، أو ذات ألوان كالمدرجة بالعصفر، وقال الأزهري: لا تكون الريطة إلا بيضاء كما في تهذيب اللغة (14/ 15).
قال الإمام ظفر أحمد التهانوي الحنفي: والحق أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها " خطاب للرجال، ومعناه – والله أعلم – إن من عادة الكفار التزين بالمعصفر مثل النساء فلا تلبسوه، فلا دلالة فيه على حرمة المعصفر على النساء، .... وقال صاحب الروضة: يجوز للرجال والنساء لبس الثوب الأحمر والأخضر بلا كراهة، وفي الحاوي للزاهدي: يكره للرجال لبس المعصفر والمزعفر والمورس والمحمر أي الأحمر، حريرا كان أو غيره، ..... قال ابن عمران: أراد – شُعْبة – أن النهي الذي كان من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وقع على الرجال خاصة، دون النساء، كذا في معاني الآثار .... وروى الطحاوي بسند صحيح عن يعلى: أنه مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو متخلق، فقال: إنك امرأة؟ فقال: لا، فقال اذهب فاغسله.
انظر إعلاء السنن (17/ 387: 389، 395).
ونخرج من ذلك بأن للمرأة لبس ما شاءت من ألوان الثياب، الأبيض منها، والأسود، والمورد، والأحمر، والأخضر، والمعلَّم، والموشى بالألوان المتعددة، لا حرج في من ذلك، بل يستحب لها أن تلبس ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم به كالأبيض.
وعليه فمن يلزم النساء بلبس السواد دون سواه من الألوان فلا دليل له على هذا الإلزام، بل رأينا الأدلة العديدة بخلاف ذلك، وسبق أن بينا المفهوم من حديث الغربان، فلا يصلح دليلا على وجوب أو استحباب لبس السواد، بل ذات الحديث دليل على لبس النساء غير السواد سوى شيء يوضع على الرأس، وقد ثبت بالأدلة الصحيحة أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاه، وغيرها من نساء الصحابة، لبسن الخمار الأخضر والأبيض، وغير ذلك، كما لبسن الثياب الملونة بشتى أنواع الألوان – هذا والله تعالى أعلى وأعلم.
أما عن لبس المرأة الثياب السوداء عند الحداد:
فهذا بعمومه لا دليل عليه، بالأدلة الواضحة على كراهة لبس المرأة الحادة ما فيه زينة أيا كان لونه، لتضاد الزينة مع الحداد، ودليل ذلك:
1 - نهى النبي صلى الله عليه وسلم المرأة الحادة أن تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عَصْب.
رواه البخاري (3/ 697 رقم 5343) وثياب العَصْب: برود يمنية يعصب غزلها: أي يشد ويجمع، ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذ صبغ، وقيل: هي برود مخططة. والعصب: الفتل، والعصاب الغزال.
2 - روى البخاري عن أم عطية قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لأمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث، إلا على زوج فإنها لا تكتحل ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ".
والحديث رواه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وأحمد، والبخاري، ومسلم، والنسائي، وابن حبان، والدارمي، والبيهقي، كما رواه البيهقي عن ابن عمر، والطبراني عن أم سلمة مرفوعا.
3 - عن ابن عباس رضي الله عنه قال:
المتوفى عنها لا تمس طيباً، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً، ولا تكتحل، ولا تلبس الحلي، ولا تختضب، ولا تلبس المعصفر.
رواه عبد الرزاق في مصنفه – كتاب: الطلاق - باب المطلقة والمتوفى عنها سواء.
فدل ذلك على جواز لبس المرأة الحادة أي لون من الثياب – ومنها الأسود – سوى ما كان مصبوغا، ثم استثني من المصبوغ ما كان موشيه – مزخرفا – بسب العصب، بل إجماع العلماء على جواز لبس الحادة الثياب السوداء لأن السواد غالبا لا يتخذ للزينة، بل هو من لباس الحزن:
قال النووي: " قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أنه لا يجوز للحادة لبس الثياب المعصفرة ولا المصبغة، إلا ما صبغ بسواد؛ فرخص بالمصبوغ بالسواد عروة ومالك والشافعي - لكونه لا يُتَّخذ للزينة؛ بل هو من لباس الحزن – وكرهه الزهري، وكره عروة العصب، وأجازه الزهري وأجاز مالك غليظه. قال النووي: والأصح عند أصحابنا تحريمه مطلقا – يعني العصب - وهذا الحديث حجة لمن أجازه، قال ابن المنذر: رخص جميع العلماء في الثياب البيض، ومنع بعض متأخري المالكية من جيد البيض الذي يتزين به، وكذلك جيد السواد – الذي يتزين به، قال أصحابنا: ويجوز كل ما صبغ
¥