ـ[أم هالة]ــــــــ[04 - 07 - 08, 01:46 ص]ـ
أدلة قاعدة مراعاة الخلاف:
في مستندها النقلي:
أما الدليل النقلي على مشروعيتها: فقد ثبت عن سيدتنا أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها- أنها قالت: (كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد: أن ابن وليدة زمعة مني، فاقبضه إليك. فلما كان عام الفتح أخذه سعد وقال: ابن أخي، قد كان عهد إليّ فيه، فقام إليه عبد بن زمعة فقال: أخي وابن وليدة أبي، ولد على فراشه، فتساوقا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وقال سعد: يا رسول الله! إن أخي قد كان عهد إليّ فيه، وقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي، ولد على فراشه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: هو لك يا عبد بن زمعة، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الولد للفراش وللعاهر الحجر".
ثم قال لسودة بنت زمعة، احتجبي منه؛ لما رأى من شبهه بعتبة بن أبي وقاص. قالت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها- وأرضاها:
فما رآها حتى لقي الله"
وجه الاستدلال بالحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- راعى الحكمين معاً، أعني حكم الفراش وحكم الشبه.
أما مراعاته لحكم الفراش: فبإلحاقه الولد بصاحبه وهو زمعة.
وأما مراعاته لحكم الشبه، فبأمره سودة - رضي الله عنها- بالاحتجاب من الولد الملحق بأبيها، فيكون أخاها.
قال الإمام تقي الدين بن دقيق العيد- رحمه الله-:
وبيانه من الحديث أن الفراش مقتض لإلحاقه بزمعة، والشبه البين مقتضي لإلحاقه بعتبة، فأعطى النسب بمقتضى الفراش، وألحق بزمعة، وروعي أمر الشبه بأمر سودة بالاحتجاب منه.
وناحية الاحتياط فيه يتمثل في أمره - صلى الله عليه وسلم- زوجه سودة - رضي الله عنها- بالاحتجاب من الولد – واسمه عبد الرحمن – الملحق بأبيها، رغم حكمه بإثبات نسبه الظاهر من زمعة أبيها المقتضي كونها أخته.
يقول الصنعاني - رحمه الله-:
أمرها بالاحتجاب منه على سبيل الاحتياط والورع والصيانة لأمهات المؤمنين من بعض المباحات من الشبهة، وذلك لما رآه - صلى الله عليه وآله وسلم- من الشبه البين في الولد بعتبة.
وقد فهم بعض العلماء من الأمر بالاحتجاب الوجوب، وبنوا على ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم- لم يلحق بالغلام المتنازع فيه بنسب زمعة؛ لأنه في اعتقادهم لو كان أخاهم لما أمرها بالاحتجاب منه. وهذا في الواقع بعيدٌ جداً عن الصواب؛ لذلك استشنعه كثير من أهل العلم، حتى قال الإمام ابن العربي - رحمه الله-:
القائلون بوجوب احتجابها لا يليق بمراتبهم.
ويبقى منطوق الحديث: (الولد للفراش) صريحاً في الإلحاق المذكور، لما في تركيبه من إفادة الحصر والقصر مبالغة في إثبات النسب للفراش وتغليب حكمه على حكم الشبه في خصوص النسب.
و هناك أدلة أخرى ..
في مستندها الأصولي:
قاعدة (مراعاة الخلاف) تنزع إلى الاستحسان من جهة، وإلى المصلحة من جهة، وليس في هذا أي تناقض.
أولاً:
تخريج القاعدة على الاستحسان:
الاستحسان في اللغة:
اعتقاد الشيء حسناً.
وفي الاصطلاح:
وأحسن ما يقال في تعريفه إنه: (العدول بحكم المسألة عن نظائرها لموجب)
أما وجه انتزاع القاعدة منه:
فإن مقتضى القياس أن يجري المجتهد على وفق دليله، وتحكم بمقتضى اجتهاده الذي أداه إليه الظن الغالب الموجب للعمل، فلا يترك قوله ودليله ليصير إلى قول الغير ودليله. هذا هو الأصل، غير أنه يعدل عن ذلك، فيهمل العمل بمقتضى قوله ودليله من وجه، ليعمل دليل غيره المرجوح عنده.
وموجب هذا العدول عن العمل بمقتضى الاجتهاد الخاص من وجه، هو رجحان دليل المخالف عند المجتهد على دليله، في لازم مدلول دليل ذلك المخالف المستدعى للاحتياط والأخذ بالحزم، وهو على هذا ليس تاركاً لاعتقاده في قوله ودليله، ومطروحاً له بالكلية، بل قصاراه أنه امتثل على وفق دليل غيره في جهة يكون رأي الغير أرجح فيها، أو اختار الأشق من الأمرين مع اعتقاده صحة الأخف. وهو كما ترى عدول يسنده النظر الحازم والرأي السديد.
ولا شك أن هذا مندرج تحت الاستحسان وآخذ من معناه بوجه؛ لهذا لم يطرد على قانون واحد في كل مسألة خلافية، كما هو شأن الاستحسان، وقد وقع للإمام الشاطبي تصريح بنحو منه فيما عزاه إلى غيره من العلماء، فقال: إنهم قالوا: إن من جملة أنواع الاستحسان مراعاة خلاف العلماء، وهو أصل في مذهب مالك يبنى عليه مسائل كثيرة.
¥