قال المصنف: (وشرائط وجوب الصيام ثلاثة أشياء) وفي بعض النسخ أربعة أشياء. الصيام والصوم في اللغة الإمساك، يقال صام النهارُ إذا وقف سيرُ الشمس. وقال تعالى إخبارا عن مريم: "إني نذرت للرحمن صوما" أي صمتا، لأنه إمساك عن الكلام. قال النابغة:
خيلٌ صيامٌ وخيلٌ غيرٌ صائمةٍ ... تحت العَجَاج وأخرى تعلُك اللُجُما
يعني بالصيام الممسكة عن الصهيل، والعجاج هو الغبار، وتعلك من علك الفرس اللجام أي لاكه وحركه في فيه، واللجم جمع لجام وهو مقود الدابة. أما في الشرع فهو إمساك عن مفطرٍ بنيةٍ مخصوصةٍ جميعَ نهارٍ شرعيٍ قابلٍ للصوم تعبدا لله من مسلم عاقل طاهر من حيض ونفاس. والأصل في وجوبه قبل الإجماع قوله تعالي: (كتب عليكم الصيام) أي فرض، وحديث " بني الإسلام على خمس" وذكر منها صوم رمضان. وفرض في شعبان في السنة الثانية من الهجرة، فصام صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات. ويجب صوم رمضان بأحد أمرين:
1 - كمال شعبان ثلاثين يوما وذلك إن كانت السماء مطبقة بالغيم.
2 - رؤية الهلال ليلة الثلاثين من شعبان ولو كانت بعدل واحد.
وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما" رواه الشيخان. ووجوب الصوم معلوم من الدين بالضرورة، فمن جحد وجوبه فهو كافر إلا أن يكون حديث عهد بإسلام أو نشأ بعيدا عن العلماء. ومن ترك صومه غير جاحد لوجوبه ولا عذر له علي تركه، حبس ومنع الطعام والشراب نهارا ليحصل له صورة الصوم بذلك. وتثبت رؤية هلال رمضان في حق من لم يره بشهادة عدل واحد إذا شهد بها عند القاضي بلفظ الشهادة ولو بنحو أشهد أني رأيت الهلال، ولايكفي أن يقول غدا من رمضان، ولايشترط تقدم دعوى لأنها شهادة حسبة وكل حسبة لاتتوقف علي دعوى، ولايشترط فيه العدالة الباطنة ويكفي كونه مستورا. ودليل الاكتفاء بالواحد ماصح عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أخبرت النبي صلي الله عليه وسلم أني رأيت الهلال فصام وأمر الناس بصيامه" رواه أبو داود.
وقال ابن حجرالهيتمي في شرحه علي الحضرمية: "ولايجوز العمل بقول المنجم والحاسب ولكن لهما العمل باعتقادهما لكن لايجزئهما صومهما عن فرضهما، ولاعبرة بقول من قال أخبرني النبي صلى الله عليه وسلم في النوم أن غدا من رمضان، فلا يجوز بالإجماع العمل بقضية منامه لا في الصوم ولا في غيره "انتهى. ولكن صحح النووي في الكفاية صحة صوم المنجم والحاسب لو عملا باعتقادهما، ونقله عن الأصحاب.
وقال النووي في المنهاج: "وشرط الواحد: صفة العدول في الأصح، لاعبدٍ وامرأةٍ، وإذا رئي ببلد لِزم حكمه البلدَ القريبَ دون البعيد في الأصح، والبعيد: مسافة القصر، وقيل: باختلاف المطالع. قلتُ: هذا أصح والله أعلم " انتهى. مسافة القصر ستة عشر فرسخا وهي تقريبا 81 كيلو متر.
ومعنى اختلاف المطالع أن يكون طلوع الفجر أو الشمس أو الكواكب أو غروبها في محل متقدما على مثله في محل آخر أومتأخرا عنه. وقال صاحب فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين: " وكالثبوتِ عندَ القاضي: الخبرُ المتواترُ برؤيته، ولو من كُفار، لإِفادته العلم الضروريّ" و في هذا نظر لما يلي:
1 - لحديث ابن عباس: "أن أعرابيا جاء إلي النبي فقال: إني رأيت الهلال فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟. قال: نعم، قال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، قال: فأذن في الناس يابلال أن يصوموا غدا" رواه أحمد.
2 - أن الله رد شهادة الفاسق من المسلمين ومن باب أولى رد شهادة الكافر.
3 - المتهم لاتقبل شهادته لحديث: "فلا تقبل شهادة خصم ولا ضنين"، والضنين المتهم , قال تعالى: "وماهو على الغيب بضنين" يعني بمتهم، والكافر متهم، وضنين على زنة فعيل وهو يسري على الجمع والمفرد والمذكر والمؤنث.
4 - قوله تعالى: "ممن ترضون من الشهداء" والكافر ليس بمرضي.
¥