ـ وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين مسألة لاستحالة في مواطن من شرحه الممتع فقال في الموضع الثاني: قوله: «أو سُخِّن بنَجَسٍ كُرِه»؛ أي: إِذا سُخِّن الماءُ بنجَسٍ تَغيَّر أو لم يتغيَّر فإِنه يُكره. مثاله: لو جمع رجلٌ روث حمير، وسخَّن به الماء فإِنه يُكره، فإِن كان مكشوفاً فإِنَّ وجه الكراهة فيه ظاهر، لأن الدُّخان يدخله ويؤثِّر فيه. وإِن كان مغطَّى، ومحكم الغطاء كُره أيضاً؛ لأنَّه لا يَسْلَمُ غالباً من صعود أجزاء إِليه. والصَّواب: أنَّه إِذا كان محكم الغطاءِ لا يكره. فإِن دخل فيه دخان وغَيَّرَهُ، فإِنه ينبني على القول بأن الاستحالةَ تُصيِّرُ النَّجس طاهراً، فإِن قلنا بذلك لم يضر. وإِن قلنا بأن الاستحالة لا تُطهِّر؛ وتغيَّر أحد أوصاف الماء بهذا الدُّخان كان نجساً. اهـ.
ـ قلتُ وقال رحمه الله في باب إزالة النجاسة: والنَّجاسة: إِما حُكميَّة، وإِما عينيَّة.
والمراد بهذا الباب النجاسة الحُكميَّة، وهي التي تقع على شيء طاهر فينجس بها. وأما العينيَّة: فإِنه لا يمكن تطهيرها أبداً، فلو أتيت بماء البحر لتُطَهِّرَ روثة حمار ما طَهُرَت أبداً؛ لأن عينها نجسة، إِلا إِذا استحالت على رأي بعض العلماء، وعلى المذهب في بعض المسائل. اهـ
ـ وقال في شرح الباب المذكور: قوله: «ولا استحالةٍ»، استحال أي: تحوَّل من حالٍ إِلى حال. أي: أن النَّجاسة لا تطهر بالاستحالة؛ لأنَّ عينها باقية.
مثاله: رَوْثُ حمار أُوقِدَ به فصار رماداً؛ فلا يطهُر؛ لأن هذه هي عين النَّجاسة، وقد سبق أن النَّجاسة العينيَّة لا تطهُر أبداً، والدُّخَان المتصاعد من هذه النَّجاسة نَجِسٌ على مقتضى كلام المؤلِّف؛ لأنه متولِّد من هذه النَّجاسة، فلو تلوَّث ثوب إِنسان، أو جسمه بالدُّخان وهو رطب، فلا بُدَّ من غَسْله. مثال آخر: لو سقط كلبٌ في مَمْلَحَة «أرض ملح» واستحال، وصار مِلْحاً، فإِنه لا يطهُر، ونجاسته مغلَّظة.
ويَستَثنون من ذلك ما يلي:
1 - الخَمْرَة تتخلَّل بنفسها.
2 - العَلَقَة تتحول إِلى حيوان طاهر.
والصَّحيح: أنه لا حاجة لهذا الاستثناء، لأن الخَمْرة على القول الرَّاجح ليست نَجِسة كما سيأتي.وأما بالنسبة للعَلَقة فلا حاجة لاستثنائها؛ لأنها وهي في معدنها الذي هو الرَّحم لا يُحكم بنجاستها، وإِن كانت نجسة لو خرجت. ولذلك كان بول الإِنسان وعَذِرَتُه في بطنه طاهرين، وإِذا خرجا صارا نجسَين، ولأن المصلِّي لو حمل شخصاً في صلاته لَصحَّت صلاته؛ بدليل أنّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم حَمَلَ أُمامة بنت ابنته زينب، وهو يُصلِّي، ولو حمل المُصلِّي قارورة فيها بول أو غائط لَبَطلت صلاتُه. اهـ.
ـ والغرض من جمع كلامه هنا في مسألة الاستحالة هو إظهار ترجيح الشيخ والذي يظهر أنَّه لم يُرَجِّح قولا على آخر. فلنُوَسِّع مجال البحث في كتبه الأخرى لعلنا نظفر بترجيح الشيخ رحمه الله تعالى.
ـ قال في لقاء الباب المفتوح: وكذلك الدجاج الوطني الذي يذبح هنا أيضاً لا شك في حله، وما يذكر من أنه يُعطى من الدم أو نحو ذلك لا يضر؛ أولاً لأن كثيراً من العلماء يقولون: إن النجاسة تطهر بالاستحالة، وإن الحيوان إذا أكل نجاسة تحولت النجاسة إلى دم، ثم إلى لحم مباح. اهـ.
ـ وقال في موضع منه: ونحن نشاهد الحطب خشباً، فإذا أحرق بالنار صار رماداً تذروه الرياح، هل الرماد هذا هو الذي كان خشباً تغير، ولهذا ذهب بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية إلى طهارة النجاسة بالاستحالة، وقال: إن النجاسة إذا تحولت إلى رماد فهي رماد وليست نجاسة. اهـ.
ـ وقال في شرح رياض الصالحين: والنجاسة العينية لا تطهر إلا بتلفها وزوالها بالكلية. اهـ.
ـ قلتُ: وللشيخ رحمه لله تعليق على كتاب اقضاء الصراط المستقيم لابن تيمية وقد ذكر هناك ابن تيمية هذه المسألة فيُنظر ماذا علَّق الشيخ رحمه الله تعالى.
¥