تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال السفاريني رحمه الله تعالى: " قَالَ الْحَجاوِي: وَيَتَخَرّجُ مِنْ هَذَا جَوَازُ إحْرَاقِ الزنَابِيرِ إذَا حَلَّ بِهَا ضَرَرٌ شَدِيدٌ وَلَمْ يَنْدَفِعْ إلا بِهِ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ بِهِ النَّاظِمُ رَحِمَهُ اللَّهُ اخْتِيَارُ الْحُرْمَةِ، ثُمَّ زَوَالُهَا لِلْحَاجَةِ بِلا كَرَاهَةٍ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ إحْرَاقَ نَحْوِ النمْلِ مَكْرُوهٌ لا حَرَامٌ وَحَيْثُ عَلِمْت أَنَّهُ مَكْرُوهٌ عَلِمْت زَوَالَ الْكَرَاهَةِ لِلْحَاجَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ " ا. هـ غذاء الألباب (2/ 45).

قال الكشميري رحمه الله تعالى: " وعند النسائي: «أن النبي صلى الله عليه وسلّم أمر بحرقِ جُحْرِها عليها»، ولذا ذهب أحمد إلى أنَّ إحراق الأشياء المؤذية جائز، وبه أفتى بجواز إحراق الزنابير وغيرها من المؤذيات " ا. هـ فيض الباري (3/ 297).

وما يستأنس به في جواز ذلك ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: «كنا جلوساً في مسجد الخيف ليلة عرفة قبل يوم عرفة إذ سمعنا حس الحية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: اقتلوا، قال: فقمنا، قال: فدخلت شق جحر فأتى بسعفة فأضرم فيها ناراً وأخذنا عوداً فقلعنا عنها بعض الجحر فلم نجدها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (دعوها وقاها الله شركم كما وقاكم شرها).رواه أحمد (3650) وأبو يعلى (5004) والنسائي (2886) والطبراني في الكبير (10157) وهو من حديث أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود ولم يسمع منه.

ومما يدل على جواز ذلك ما رواه أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قال «غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ –إلى قوله- حَتى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَجَمَعُوا مَا غَنِمُوا، فَأَقْبَلَتِ النارُ لِتَأْكُلَهُ، فَأَبَتْ أَنْ تَطْعَمَهُ. فَقَالَ: فِيكُمْ غُلُولٌ فَأَبَتْ أَنْ تَطْعَمَهُ. فَقَالَ: فِيكُمْ غُلُولٌ، فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ، فَبَايَعُوهُ، فَلَصِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ، فَلْتُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ. فَبَايَعَتْهُ. قَالَ: فَلَصِقَتْ بِيَدِ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ، فَقَالَ: فِيكُمُ الغُلُولُ. أَنْتُمْ غَلَلْتُمْ، قَالَ: فَأَخْرَجُوا لَهُ مِثْلَ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: فَوَضَعُوهُ فِي المَالِ وَهُوَ بِالصَّعِيدِ، فَأَقْبَلَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهُ، فَلَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لأَحَدٍ مِنْ قَبْلِنَا، ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا، فَطَيَّبَهَا لَنَا» رواه مسلم (4509).

بل ذهب بعض الصحابة وغيرهم إلى جواز إحراق الآدمي بالنار، فإن جاز ذلك في الآدمي فغيره من باب أولى، ففي البخاري (3017) أن عليا رضي الله عنه حرق قوما ارتدوا بالنار. وقد رواه غيره وزاد إنكار ابن عباس عليه، فعن عكرمة: «أن علياً أخذ ناساً ارتدوا عن الإسلام، فحرقهم بالنار، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «لا تعذبوا بعذاب الله عز وجل أحداً، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من بدّل دينه فاقتلوه». فبلغ علياً ما قال ابن عباس فقال: ويح ابن أم عباس». أحمد (2556)، النسائي (4044).

قال ابن القيم رحمه الله تعالى " وقال أصحابنا: إذا رأى الإمام تحريق اللوطي بالنار فله ذلك؛ لأن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر رضي الله عنه أنه وَجَدَ في بعض نواحي العرب رجلاً يُنْكَح كما تنكح المرأة، فاستشار أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلّم وفيهم أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، وكان أشدَّهم قولاً، فقال: إن هذا الذنب لم تعْصِ الله به أمة من الأمم إلا واحدة، فصنع الله بهم ما قد علمتم، أرى أن يحرقوه بالنار، فأجمع رأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم على أن يحرقوه بالنار، فكتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى خالد بن الوليد رضي الله عنهما بأن يحرقوا، فحرقهم، ثم حرقهم ابن الزبير، ثم حرقهم هشام بن عبد الملك " ا. هـ إعلام الموقعين (2/ 605).

قال الحافظ ابن حجر: " واختلف السلف في التحريق: فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما مطلقاً سواء كان ذلك بسبب كفر أو في حال مقاتلة أو كان قصاصاً، وأجازه علي وخالد بن الوليد وغيرهما " ا. هـ فتح الباري (6/ 257) والأظهر في هذه النازلة هو جواز إحراق هذه الطيور بالنار، وليس المراد من فعل هذا الأمر التعذيب ليشمله النهي، بل المراد حماية الناس من ضررها، وحفظ حياتهم من خطرها، ومراعاة هذا المقصد مقدم على ما دونه في حال تعارضهما، لذا على الإخوة الكرام عدم التعرض للفرق القائمة بذلك والتشنيع عليهم.

وأختم أخيرا بقوله تعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" [الروم:41] وقوله تعالى: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ" [الشورى:30] اللهم ردنا إليك ردا جميلا اللهم إنا نعوذ بك من البرص والجذام ومن سيئ الأسقام. والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير