تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

16_ الدعاء من صفات عباد الله المتقين: قال _ جلَّ شأنه _ عن أنبيائه _ عليهم السلام _:"إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهبًا وكانوا لنا خاشعين" [الأنبياء: 90]، وقال عن عباده الصالحين:"والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم" [الحشر:10]، إلى غير ذك من الآيات في هذا المعنى.

17_ الدعاء سبب للثبات والنصر على الأعداء: قال _ تعالى _ عن طالوت وجنوده لما برزوا لجالوت وجنوده:"قالوا ربنا أفرغ علينا صبرًا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين" [البقرة:250]، فماذا كانت النتيجة؟ "فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت" [البقرة:251].

18_ الدعاء مَفْزَعُ المظلومين، وملجأ المستضعفين: فالمظلوم _ أو المستضعف _ إذا انقطعت به الأسباب، وأغلقت في وجهه الأبواب، ولم يجد من يرفع عنه مظلمته، ويعينه على من تسلط عليه وظلمه، ثم رفع يديه إلى السماء، وبث إلى الجبار العظيم شكواه _ نصره الله وأعزه، وانتقم له ممن ظلمه ولو بعد حين.

ولهذا دعا نوح _ عليه السلام _ على قومه عندما استضعفوه، وكذَّبوه، وردُّوا دعوته.

وكذلك موسى _ عليه السلام _ دعا على فرعون عندما طغى، وتجبر، وتسلط، ورفض الهدى ودين الحق؛ فاستجاب الله لهما، وحاق بالظالمين الخزي في الدنيا، وسوء العذاب في العقبى.

وكذلك الحال بالنسبة لكل من ظُلِم، واستُضْعِف؛ فإنه إن لجأ إلى ربه، وفزع إليه بالدعاء _ أجابه الله، وانتصر له وإن كان فاجرًا.

قال الإمام الشافعي وما أجمل ما قال:

وربَّ ظلومٍ قد كفيت بحربه ... فأوقعه المقدور أيَّ وقوعِ

فما كان لي الإسلامُ إلا تعبدًا ... وأدعيةً لا تُتَّقى بدروع

وحسبك أن ينجو الظلومُ وخلفه ... سهامُ دعاءٍ من قِسيِّ ركوع

مُرَيَّشة بالهدب من كل ساهرٍ ... منهلة أطرافها بدموع (25)

وقال:

أتهزأ بالدعاء وتزدريه ... وما تدري بما صنع الدعاءُ

سهام الليل لا تخطي ولكن ... له أمدٌ وللأمد انقضاءُ (26)

19_ الدعاء دليل على الإيمان بالله، والاعتراف له بالربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات: فدعاء الإنسان لربه متضمن إيمانه بوجوده، وأنه غني، سميع، بصير، كريم، رحيم، قادر، مستحق للعبادة وحده دون من سواه.

الثانية: من جهة كيفيته:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أما كيفية الدعاء من ناحية الهيئة الجسمية، والأقوال المسنونة في الافتتاح والانتهاء، وما جرى مجرى ذلك يحتاج إلى بسط وإطالة، وإليك شيئاً من ذلك:

1_ الثناء على الله قبل الدعاءِ، والصلاة على النبي": فعن فضالة بن عبيد قال: بينما رسول الله"قاعدًا إذ دخل رجل، فصلى فقال: اللهم اغفر لي، وارحمني.

فقال رسول الله":"عجلت أيها المصلي، إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله، وصلِّ علي ثم ادعه".

ثم صلى رجل آخر بعد ذلك، فحمد الله، وصلى على النبي"، فقال له النبي":أيها المصلي ادع تُجب (27).

وقال _ عليه الصلاة والسلام _:"كل دعاءٍ محجوب، حتى يصلي على النبي- صلى الله عليه وسلم- (28).

2_ الإقرار بالذنب، والاعتراف بالخطيئة: ولذلك فإن دعاء يونس _ عليه السلام_ من أعظم الأدعية إن لم يكن أعظمها، وما ذلك إلا لأنه ضمنه اعترافه بوحدانية الله _ عز وجل _ وإقراره بالذنب والخطيئة والظلم للنفس، كما قال_تعالى _ عنه:"فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" [الأنبياء: 87] (29).

وكذلك الحال بالنسبة للدعاء العظيم المسمى بسيد الاستغفار، والذي يعد أفضل صيغ الاستغفار، ومن أسباب أفضليته أنه تضمن الإقرار بالذنب، والاعتراف بالخطيئة، كما جاء في حديث شداد بن أوس- رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال:"سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

من قالها في النهار موقنًا بها فمات من يومه قبل أن يمسي _ فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح _ فهو من أهل الجنة" (30).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير