تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الحليمي ما ملخصه: "كان التطير في الجاهلية في العرب إزعاج الطير عند إرادة الخروج للحاجة ... وهكذا كانوا يتطيرون بصوت الغراب وبمرور الظباء، فسموا الكل تطيرا لأن أصلَه الأولُ ... فجاء الشرع برفع ذلك كله، وقال: ((من تكهن أو ردَّه عن سفرٍ تطيرٌ فليس منا)) ونحو ذلك من الأحاديث، وذلك إذا اعتقد أن الذي يشاهده من حال الطير موجبا ما ظنه ولم يضف التدبير إلى الله تعالى، فأما إن علم أن الله هو المدبر ولكنه أشفق من الشر لأن التجارب قضت بأن صوتا من أصواتها معلوما أو حالا من أحوالها معلومة يردفها مكروه فإن وطَّن نفسه على ذلك أساء، وإن سأل الله الخير واستعاذ به من الشر ومضى متوكلا لم يضره ما وجد في نفسه من ذلك، وإلا فيؤاخذ به، وربما وقع به ذلك المكروه بعينه الذي اعتقده عقوبةً له كما كان يقع كثيرا لأهل الجاهلية والله أعلم" ([16]).

4 - عن قَبيصة الهلالي رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العيافة والطيرة والطَّرق من الجبت)) ([17]).

قال أبو داود رحمه الله: "الطرق الزجر، والعيافة الخط"، قال النووي رحمه الله: "أي زجر الطير، وهو أن يتيمن أو يتشاءم بطيرانه، فإن طار إلى جهة اليمين تيمن، وإن طار إلى جهة اليسار تشاءم" ([18]).

وقال المناوي رحمه الله: " ((من الجبت)) أي: من أعمال السحر فكما أن السحر حرام فكذا هذه الأشياء، أو مماثل عبادة الجبت في الحرمة" ([19]).

وقال صديق حسن خان رحمه الله: "قال بعض أهل العلم: هذه الأمور الثلاثة من أفعال الشرك ورسومه، بدليل هذا الحديث" ([20]).

5 - عن أم كرز الكعبية قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أقرّوا الطير على مَكِنَّاتِها)) ([21]).

قال الشافعي رحمه الله: "وكان العرب إذا لم تر طائراً سانحاً فرأى طيراً في وكره حرّكه من وكره ليُطيِّره، لينظر أيسلك طريق الأشائم أو طريق الأيامن، فيشبه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أقرّوا الطير على مكناتها)) أي: لا تحركوها؛ فإن تحريكها وما تعملون به من الطيرة لا يصنع شيئاً، وإنما يصنع فيما تتوجهون له قضاءُ الله عز وجل" ([22]).

قال ابن جرير رحمه الله: "معنى ذلك: أقرّوا الطير التي تخرجونها في مواضعها المتمكنة فيها، التي هي لها مستقر، وامضوا لأموركم، فإن زجركم إياها غير مجدٍ عليكم نفعاً ولا دافع عنكم ضرراً" ([23]).

وقال غيره: "المعنى: أقرّوها على أمكنتها، فإنهم كانوا في الجاهلية إذا أراد أحدهم سفراً أو أمراً من الأمور أثار الطير من أوكارها لينظر أي وجه تسلك، وإلى أي ناحية تطير، فإن خرجت ذات اليمين خرج لسفره ومضى لأمره، وإن أخذت ذات الشمال رجع ولم يمض، فأمرهم أن يقروها في أمكنتها، وأبطل فعلهم ذلك، ونهاهم عنه كما أبطل الاستقسام بالأزلام" ([24]).

إشكال وجوابه:

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس والمرأة والدار)) ([25]).

اختلف أهل العلم رحمهم الله في توجيه هذا الحديث مع ما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم من نفي الشؤم والطيرة والنهي عنهما، وهذه أقوالهم باختصار ([26]):

1 - فقال بعضهم: إن الحديث ليس على ظاهره، وإنما هو إخبار عما كان عليه أهل الجاهلية، فعن أبي حسان الأعرج أن رجلين دخلا على عائشة، فقالا: إن أبا هريرة يحدث أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار) قال: فطارت شِقَّة منها في السماء وشقَّة في الأرض، فقالت: والذي أنزل القرآن على أبي القاسم ما هكذا كان يقول، ولكن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((كان أهل الجاهلية يقولون: الطيرة في المرأة والدار والدابة) ثم قرأت عائشة رضي الله عنها: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى ?لأَرْضِ وَلاَ فِى أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِى كِتَـ?بٍ مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ?للَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22] ([27]).

2 - قال آخرون: بل الحديث على ظاهره وفيه إثبات للطيرة، ولكن لهذا توجيهه، وهو أن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأعلمهم أن لا طيرة، فلما أبوا أن ينتهوا بقيت الطيرة في هذه الأشياء الثلاثة، وبهذا يكون حصول الشؤم في هذه الأشياء لمن تطير بها دون من لم يتطير.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير